كما يتأكد التبكير إليها تبكيرٌ في هدوءٍ وسكينة، من أجل استجماع الذكر، وتدبر القرآن، والتهيؤ لسماع الوعظ، وقبول النصح، لعل الله أن يغفر الذنوب، ويعظم الأجر، من هذا الذي لا تطيب نفسه بالتقدم والبكور والمسارعة للاستكثار من الأجور؟!
ولقد قال بعض أهل العلم: كانت الطرقات على عهد السلف عامرة وقت السحر وبعد الفجر بالمبكرين إلى الجمعة الذين يمشون بالسرج، ويقال إن أول بدعة أخرجت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة، وإن البكور إليها لدليل شدة العناية بها، وقرب أهل الجنة يوم القيامة وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام وتبكيرهم إلى الصلاة.
ومن لطائف الأسرار في هذا المقام ما نبه إليه بعض أهل العلم حيث قال: لما كان يوم جمعة في أسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملاً على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التبكير فيه إلى المسجد والمسارعة بدلاً من القربان، كما في الخبر الصحيح:{من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر}.
عباد الله: من أحب الخير لنفسه فليتقرب إلى الله وليبادر وليجتنب التشاغل بالشواغل، من قال لصاحبه: أنصت فقد لغا، ومن مس الحصى فقد لغا، وليمتنع عن إيذاء المصلين والتشويش عليهم بتخطي رقابهم، أو إيذائهم بالروائح الكريهة في بدنه وملبسه ومأكله ومشربه.
جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب فقال له:{اجلس فقد آذيت وآنيت} أي: آذيت بالتخطي، وآنيت: تأخرت عن المبادرة والتبكير.