[وجوب نصرة المظلوم]
أيها الإخوة المسلمون: والمظلوم له حق النصرة، فالظالم لا يرتدع ولا ينقمع إلا إذا أدرك أن جانب من يريد ظلامته محمي عزيز المنال.
ففي دين الإسلام لا يجوز خذلان المسلم، فكيف إذا كان مظلوماً: {فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه} وعند البخاري رحمه الله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: {أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننصر المظلوم} وفي الحديث الآخر: {إذا رأيتم أمتي لا يقولون للظالم أنت ظالم، فقد تودع منهم} إسناده حسن من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ويقول علي رضي الله عنه: [[إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى اشتري، وبسطوا الجور حتى افتدي]].
أيها الأحبة في الله: ولقد أعطي المظلوم حق الجهر بالسوء من القول انتصاراً لنفسه وإثباتاً لحقه، وتثبيتاً لعزته، فالظالم لا حرمة له: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء:١٤٨] وتأملوا رحمكم الله هذه الآيات من سورة الشورى، وما أعده الله من خير عظيم دائم لمن تحلوا بهذه الصفات التي اشتملت عليها هذه الآيات، يقول الله عز وجل: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى:٣٦] إلى أن قال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:٣٩ - ٤١].
ولعلك تجد رحمك الله أن العفو والصفح ممدوح، ولكن ذلك بعد ثبوت الحق لصاحبه، فيجب أن يعرف المعتدي جريرته، ويعترف الظالم بظلامته؛ فيكون المظلوم قد نزل عن حقه بعد القدرة على أخذه، فهو قد تنازل في سماحة مذكورة وسبق بالفضل.
وفي نصرة المظلوم حتى يأخذ حقه، والأخذ على يد الظالم حتى يكف عن تعديه حفظ نظام المجتمع، وحماية الضعفاء من تسلط الأقوياء، والإنسان إذا أمن العقوبة مال إلى الشر وتجاسر على الظلم.
أما الذين يشهدون المعركة بين القوي والضعيف، ثم يدعونها تنتهي حسب قوانين الغاب وشرائع الذئاب من غير معونة ولا نكير؛ فهؤلاء شركاء في الظلم أعواناً للظلمة، يقول ميمون بن مهران: الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء.
وفي الحديث: {ما من مسلم يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وتنتهك فيه حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته}.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله: {فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده}.
ورحم الله امرأً أنصف من نفسه فأدى ما عليه واقتصر على حقه وأراح القضاء وما أزعج السلطات، وأهل العدل إذا استرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا وإذا قسموا أقسطوا، والمظلوم دعوته مستجابة، وإن كان فاجراً فجوره على نفسه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:٤٢ - ٤٦].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.