للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجوانب المادية في الثقافة المعاصرة وأثرها في قضية الزواج]

السؤال

هل المهر مشكلة أو غير مشكلة؟

بل قد يُقال: هل هو مشكلة جوهرية، وهل تعالج القضية بالحد من غلاء المهور؟

إذاً هذه قضية.

ولهذا قلنا: وهل غلاء المهور هو المشكلة الرئيسية أو الأساسية في العزوف عن الزواج؟

نقول في الإجابة: يبدو من هذا السؤال بحسب من طرحه؛ أن عزوف الشباب الملحوظ عن الزواج ليس بسبب الجانب المادي، إذا كان المراد بالمادة قلة ذات اليد -يعني: ما عنده فلوس- أما إذا كان الماديات في المصطلح المعاصر معناها أنه تغيرت أفكار الناس، بحيث صارت مرتبطة بالمادة.

ولهذا أقول: إن الأمر في تقديري أكبر من ذلك، أي: أن القضية ليست مالية، بل عنده مشكلة زواج، إذ أن التأثير جاء من الآثار الكبيرة للمدنية المعاصرة بكافة معطياتها، وتكاد تكون في أغلبها معطيات سلبية، ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الروحية والفكرية، والعلاقات الاجتماعية.

إذاًَ: فيجب أن نفقه أن القضية تكاد تكون تحولاً فكرياً عند كثير من الناس في الشباب في الفتيات بل حتى في الآباء والأمهات.

تغيروا بحيث جعلوا القضية مادية، فيرددون: تأمين المستقبل لبنتنا! وهذا طيب.

لكن هذه النظرة يلاحظ أنها ناشئة عن بُعدٍ عن رسوخ العقيدة بتوجيهات القرآن، فالله عز وجل يقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢].

إذاً: لا نمنع الزواج من أجل فقر الزوج؛ لأننا لو كنا نعالج القضية علاجاً جوهرياً وصحيحاً لكنت أزوج الفقير وأعينه، لماذا أزوجه وأنا أتطلع لأن آخذ منه للأم وللبنت وللخالة وللعمة وغيرهن من أقارب الزوج.

إذاً لن نحلَّ المشكلة بهذه الطريقة؛ لأن نظرتنا قاصرة، ونظرتنا إما أن تكون نابعة من تقاليد بائدة وبالية، وإما أنها بعيدة عن النظرة الإسلامية الصحيحة، أو أنها نابعة من مدنية معاصرة ترتبط بماديات، وبشهادات، ووظيفة، وتأمين مستقبل ونحو ذلك.

ولا شك أننا لا نريد العاطل، ولا المهمل، ولا نريد المتسيب، ولا شك أن لنا فيه نظرة؛ لكن لا نحجم ونحجب شبابنا وفتياتنا عن الزواج بحجة هذا؛ لأنه لو تعاونا حقيقة، ولم نجعل المادة أو الفقر مقياساً؛ لما كنا في مثل هذا.

ولهذا نقول: إن الذي أثر في نظرتنا وغير مقاييسنا، جاء من الآثار الكبيرة للمدنية المعاصرة بكافة معطياتها، وتكاد تكون في أغلبها معطيات سلبية، ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الروحية والفكرية والعلاقات الاجتماعية؛ فنظرة الشباب إلى الحياة قد تغيرت تغيراً سيئاً، غير محمود، تغيراً مقروناً بكثير من الخطأ والخلط، وأصبحت أغلب المقاييس عندهم مادية؛ فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، بل إن تقييمه لشريكة حياته يكاد يكون مادياً أو شبه مادي؛ ولهذا تجدون في الصحافة: الزواج بالمتعلمة الزواج بالموظفة الزواج بالعاملة؛ لأن المقاييس تغيرت، حتى صارت الصحافة تطرح هذه الأطروحات.

إذاً تغيرت عندنا النظرة والتفكير؛ تغيرت تغيراً مشوباً بكثير من الخطأ والخلط، وأصبحت أغلب المقاييس مادية؛ فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، بل إن تقييمه لشريكة حياته يكاد يكون مادياً أو شبه مادي، فما يتلقفه الشباب من معلومات وأخلاقيات بطريق مباشر أو غير مباشر، عن طريق وسائل الإعلام بشتى أنواعها؛ مقروءة ومنظورة ومسموعة، له أثره الكبير في النظرة إلى الحياة، نظرة فيها بعد كبير عن التوجيهات والمقاصد الإسلامية؛ فالزواج في المجتمع المسلم يدين بتعاليم الإسلام ويتشربها في فكره وفي قلبه، ويفقهها ويمارسها سلوكاً.