للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قطعية النتائج ونسبيتها]

الأصل السابع: قطعية النتائج ونسبيتها، وهذه قضية دقيقة ومهمة، وخاصةً فيما ذكرنا قبل قليل من أنه قد يكون مقصودك من الحوار ليس الوصول في الوقت الحاضر، إنما تذكر أشياء تمهيدية، فمن المهم جداً، حتى من ناحية نفسية ليصل الحوار إلى مبتغاه ألا يكون هناك تشنج؛ وغالباً الذي يفشل هو المتشنج، وغالباً الذي يفشل هو الذي يرفع صوته، وغالباً الذي يفشل هو الذين ينفعل، بقدر ما تكون مستمسكاً بهدوئك مهما سمعت يكون نجاحك، ولهذا أحياناً قد تسمع أشياء عجيبة، وأشياء تكاد تكون أوضح من الشمس في خطئها، ومع هذا عليك أن تكون هادئاً جداً، لكن ليس هذا هو المقصود، المقصود أن توطن نفسك، أنك قد تكون أنت المخطئ، بمعنى أنك على حق تحتمل الخطأ، وغيرك يحتمل الصواب.

ولهذا نقول: من المهم في هذا إدراك أن الرأي الفكري نسبي الدلالة على الصواب أو الخطأ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام، بمعنى حينما يأتي محاورك بأشياء ويطرح طروحات، فلا تتشنج؛ فربما تكون أنت المخطئ، وهذه قضية مهمة، بل أحياناً روح التسليم تجعل صاحبك يسلم أيضاً، أما التشنج فيفشل الحوار، فإذا اعتقدت أنك قد تخطئ، وأنك غير معصوم، وأن ما أتى به صاحبك من وثائق ينبغي أن تسلم، وأن تكون عندك -كما يقال- روح رياضية في هذا الموضوع.

فإن الذين لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغونه عن ربهم سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك، فيندرج تحت المقولة المشهورة: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب.

وبناءً عليه، فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي إلى قول واحد، فإن تحقق هذا واتفق المتحاوران على رأي واحد، فنعم ذلك ونعم المقصود، وهو منتهى الغاية، وإذا لم يكن، فالحوار ناجحٌ إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كل من منهجيهما، يسوغ لكل واحد منهما التمسك به.

طبعاً ليس الكلام في القضايا الدينية، ولنفترض أننا نتناقش في منهج تربوي، نتناقش في صلاحية هذا الكتاب من عدمه، فلا نريد في نهاية حوارنا أن نقول: أنت التزم به في كذا، وأنا ألتزم به في كذا، وانتهت القضية، أحياناً فعلاً قد لا تحسم القضية، وينبغي أن تعرف ذلك أن القضية قد لا تحسم في بعض الأحيان.

فيكون الحوار ناجحاً إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كل من منهجيهما، ويسوغ لكل واحد منها التمسك به ما دام في دائرة الخلاف السائغ، وما تقدم من حديث عن غايات الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً كما أسلفت

ولهذا ابن قدامة رحمه الله يقول: وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في المسائل الاجتهادية، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه.

ولكن الحوار يكون فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطية.