[الأحداث الكبرى دعوة إلى مراجعة الماضي]
الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر له شكر الحامدين، تبارك ربنا وتقدس، له جميع المحامد، وتعالى وتكرم، منه جزيل الفضل وجميع العوائد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تمت كلمته، وعمت رحمته، وفاضت نعمته، وهو الإله الواحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، فهو البشير والنذير والشاهد؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، السادة الأماجد، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فمن اتقى الله وقاه، ومن أناب إليه تاب عليه وهداه، ومن رضي عن الله رضي الله عنه وأرضاه، ومن أذل نفسه في طاعة الله أعزه وأعلاه، من تاجر مع الله ربحت تجارته، ومن هاجر إلى الله صحت هجرته، تأملوا في حوادث الدهر وقوارع العبر، فإنهن صوادق الخبر، حوادث فيها مزدجر، ومتغيرات فيها معتبر، تعير مرة، وتسلب أخرى، وتفسد عامراً، وتعمر قفراً.
أيها المسلمون! الفتن والبلايا منبهات وموقظات، تحمل الأمم الحية على العودة إلى نفسها والقيام بهمة إلى مراجعة مواريثها العلمية، ومواقفها العملية، ومسيرتها الحضارية بجدٍ ومصداقية، وصراحة وشفافية.
مراجعة تفحص فيها مواريثها، وتقوم عملها، وتمحص ثقافتها، تلك المواريث والثقافات التي تؤثر في حياة الناس، وتوجه سلوكهم، وتصنع اهتماماتهم في محاولة جادة صادقة، لتحديد أسباب القصور ومواطن التقصير.
التحديات الكبرى والأزمات المتأزمة، توقظ الأمم، وتنبه الدول، وتشكل التحولات الكبرى في مسيرة الحياة، وتمحو الصور المشوهة، والعناصر الهرمة، والكيانات الرخوة في حياة الشعوب، وتحفزها للانطلاق من جديد.
إن إحباطات الماضي، وخيبات الأمل عند الأمم الحية لا تقضي على إمكانات المستقبل، ولكنها تنبه إليها؛ بل تؤكدها وتظهر فاعليتها، ولقد قال الله عز شأنه في ابتلاء يوم أحد: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤٠ - ١٤١].
إن الأحداث الكبرى حين تقع لا تخص أمة بعينها، أو دولة بمفردها، ولكنها تشمل رقعة واسعة من الدنيا، إن لم تشمل العالم بأسره، أفراداً وجماعات، وشعوباً ودولاً.
أحداثٌ كبرى، تتولد عنها تحولات، وتنتج منها مواقف في الشأن كله، في الاعتقاد والاقتصاد، والسياسة والاجتماع، والتربية والتعليم، وفي ميادين الحياة كلها.
وفي ظل هذه الأحداث والابتلاءات يجدر بالعقلاء إعادة قراءة المبادئ، واستعادة النظر في المقررات، كما تراجع النظم وأنماط الحياة، إنه لجميل أن تراجع المبادئ والمقررات، وأجمل منه مراجعة آثار هذه المبادئ، وما صنعته تلك النظم، وما أورثته من نتائج على الأمم والأفراد.
وإن من أولى ما يستحق المراجعة وإعادة النظر مبادئ هذا العصر ونظمه ومقرراته وسياساته.