[فضل الصيام وآدابه]
إنَّ في النفوس نوازع شهوةٍ وهوى، وفي الصدور دوافع غضبٍ وانتقام، وفي دروب العمر خطوباً ومشاق، والصوم شهر الصبر والمصابرة، والقرآن شفاءٌ لما في الصدور.
الصوم ترويضٌ للغرائز، وضبطٌ لما في النفس من نوازع، الموفَّقون هم الذين يتجاوزون الصعاب، ويأخذون بالعزائم، ويفطِمون نفوسهم عن كثيرٍ من الرغائب، والطريق إلى المجد العالي لا يكون إلا بركوب المصاعب.
في الصوم تربيةٌ للإرادة الإنسانية، وبناءٌ لقوتها في الخير ومسالكه، وصرفٌ لها عن الشر ونوازعه، إرادةٌ تُهَذَّب بها الغرائز، وقوةٌ ينبثق عنها خلق المراقبة والمحاسبة؛ إن قوة الإرادة وصدق المحاسبة ينبت في النفس خُلُقاً يُمسك بزمامها عن الاستسلام للشهوات العابرة، والرغبات الجامحة، والأهواء الدنيئة، والإنسان لا يكون سوياً ما لم يملك إرادةً تضبط سلوكه، فتجعله صارماً يقظاً.
ومن أجل هذا فإن الصائم يجوع وهو على الطعام قادر، ويدع الماء وهو إلى الشراب محتاج، ولا رقيب عليه إلا الله، بل لا يخاف ولا يرجو إلا الله، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله.
في الصيام الحق الألسنة صائمة عن الرفث والجهل والصخب، والآذان معرضة عن السماع المحرم، والأعين مصونة عن النظر المحظور، القلوب كافة لا تعزم على إثمٍ أو خطيئة، في النهار عملٌ وحركة، وفي الليل تهجدٌ وتلاوة، يُصاحب ذلك إيقاظ لمشاعر الرحمة، ودُرْبَة على المصابرة، وطاعة لله رب العالمين.
وفي المقابل! فإن ضعيف الإرادة وقليل المحاسبة يقع أسير شهواته، وعبد مشتهياته، لا تنتهي مطامعه، ولا تنقضي مطالبه، يجرُّه الشيطان إلى كل منحدر، وتهيم به النفس الأمارة بالسوء في كل وادٍ، ويتمزق كل مُمَزَّق، يتردى في التهلكة، ويعيش في دروب الشقاء إن لم تتداركه رحمة الله: {تعس عبد الدينار! تعس عبد الدرهم! تعس عبد الخميلة! تعس عبد القطيفة}.
أيها الإخوة! إن الصيام جُنَّة، وغاية الصيام عند الصائمين أن تصوم الجوارح كلها، لم يكن الصيام -يا أصحاب الإرادات- منعاً من المفطرات الحسية من الطعام والشراب والشهوة، ولكنه إلى جانب ذلك كفٌ عن مساوئ الأخلاق، وترفعٌ عن سفاسف الأمور: {الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم}.
كيف يكون صيام المغتاب والنمام؟!
أم كيف يتم صيامٌ عند شاهد الزور! وآكل أموال الناس بالباطل؟!
ومَن لم يكف عن هذه القبائح وأضرابها فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
وكيف يكون الصيام عند من يزيدهم الصيام ضيقاً في الصدور، وطيشاً في السلوك، وغضباً في التعامل، وما هذبت له العبادة عادة؟!