للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الثالث: الالتزام بموقف محدد في الكلام]

ومن الآداب: الالتزام بموقف محدد في الكلام فينبغي أن يستقر في ذهن المحاور ألا يستأثر بالكلام، ويستطيل في الحديث، ويسترسل بما يخرج عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع، يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل: وليتناوبا الكلام مناوبةً لا مناهبةً بحيث ينصت المعترض للمستدل حتى يفرغ من تقريره للدليل، ثم المستدل للمعترض حتى يُقرر اعتراضه، ولا يقطع أحدٌ منهما على الآخر كلامه، وإن فهما مقصوده من بعضه.

قال ابن عقيل: وبعض الناس يفعل هذا - أي: يقطع الكلام - تنبيهاً للحاضرين على فطنته وذكائه.

قال ابن عقيل: وهذا ليس فضيلة، إذ المعاني بعضها مرتبطٌ ببعض.

ليس شطارة منك أن تفهم ماذا قال؟ المعاني يدل بعضها على بعض، إذ المعاني بعضها مرتبط ببعض، وبعضها دليل على بعض، وليس ذلك علم غيب، أو زجر صادق، أو استخراج ضمير حتى يفتخر به، والطول والاعتدال في الحديث يختلف من ظرف إلى ظرف، ومن حال إلى حال، فالندوات والمؤتمرات تحدد فيها فرص الكلام من قبل رئيس الجلسة، أو مدير الندوة، فينبغي الالتزام بذلك، والندوات واللقاءات في المعسكرات والمتنزهات قد تقبل الإطالة أكثر من غيرها لتهيؤ المستمعين، وقد يختلف ظرف المسجد عن الجامعة والمدرسة وعن دور التعليم الأخرى.

ومن المفيد أن تعلم أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام، ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إلى ما يلي:

أولاً: إعجاب المرء بنفسه.

الثاني: حب الشهرة والثناء.

الثالث: ظن المتحدث أن ما يأتي به جديدٌ على الناس.

رابعاً: قلة اللامبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم.

والذي يبدو أن واحداً من هذه الأربعة إذا استقر في نفوس السامعين، كافٍ في صرفهم وصدودهم ومللهم واستثقالهم لمحدثيهم.

إذاً: من آداب الحوار:-

١ - حسن الاستماع، وأدب الإنصات، وتجنب المقاطعة.

٢ - تقدير الخصم واحترامه.

٣ - حصر المناظرات في مكان محدود، وقد ذكر أهل العلم أن المحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور، قالوا: وذلك أجمع للفكر والفهم، وأقرب لصفاء الذهن، وأسلم لحسن القصد، وإن في حضور الجمع الغفير ما يُحرِّك دواعي الرياء والحرص على الغلبة بالحق والباطل، ومن أطرف الاستدلالات! أنهم استدلوا بمثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ:٤٦] أما حينما يكون الحديث مثنى وفرادى، وأعداداً متقاربة، فيكون أدعى إلى استجماع الفكر والرأي، كما أنه أقرب إلى أن يرجع المخطئ عن الحق، ويتنازل عما هو فيه من الباطل أو المشتبه، بخلاف الحال أمام الناس، فقد يعز عليه التسليم والاعتراف بالخطأ أمام مؤيديه، أو مخالفيه.