وليعلم محبو الإصلاح والساعون فيه -أثابهم الله وأنجح مساعيهم- أن الشر لا يطفأ بالشر، كما أن النار لا تطفأ بالنار، ولكنه بالخير يطفأ، فلا تسكن الإساءة إلا بالإحسان، ولهذا فقد يحتاج المتنازعان إلى أن يتنازلا عن بعض الحق فيما بينهما، وإن من البصر بأحوال الناس، أن يعلم أصحاب المروءات من المصلحين أن النفوس مجبولة على الشح وصعوبة الشكائم، مما يستدعي بذلاً في طول صبر وعناء، فربكم يقول:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}[النساء:١٢].
إنها النفوس الشحيحة التي تحمل صاحبها وغيرها على ما تكره، ولكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة يترقى أصحاب المروءات من المصلحين الأخيار، ليبذلوا ويغرموا، نعم يبذلون الوقت والجهد ويصرفون المال والجاه، ولقد قدر الإسلام مروءتهم، وحفظ لهم معروفهم، فجعل في حساب الزكاة ما يحمل عنهم غرامتهم، بارك الله فيهم، لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين.