[القوة والإعداد المادي]
أمة الإسلام: ذلكم شيء مما يتعلق بالقوة المعنوية، والعزة النفسية، أما القوة المادية، فلا تحتاج إلى مزيد حديث، إنها إعداد ما يتطلبه الدفاع من وسائل الانتصار على العدو، ولقد تفتقت أذهان أبناء العصر عن مكتشفات ومخترعات في أنواع من القوى، وأساليب من الاستعداد والإنذار فاقت كل تصور.
أيها المسلمون: إن الاستعداد بالقوة، يمنع الحرب من أن يتقد نارها، ويجعل الأمة المستعدة في منعة من أن تهضم حقوقها، إعداداً واستعداداً من أجل اتقاء بأس العدو وهجومه، ولقد جاء هذا الغرض جلياً واضحاً في قول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠].
إنه استعداد ليكون سبباً في منع الحرب قبل أن يكون استعداداً عند نشوبها وإشعالها.
نعم.
إنه السلام المسلح، ذلكم أن الضعف يغري الأقوى بالتعدي على الضعفاء، إن القوي المستعد للمقاومة قلما يعتدى عليه، وإن اعتدي عليه قلما يظفر به عدوه أو ينال منه، إن ترك الاستعداد يغري بالعدوان ويسرع بالاستسلام.
وإن أخطر ما تتعرض له الأمة هو الغفلة عن الخطر المحدق بها، والتقاعس عن إعداد القوة القادرة على الدفاع، إن على الأمة الأبية أن تعد ذلك مسألة حياة أو موت، اقرءوا قول ربكم في محكم كتابه: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء:١٠].
ومن دقائق تعاليم ديننا وآدابه وشريف غاياته: أن العدو إذا عدل عن العدوان، وأرهبه السلام المسلح كان التوجه حينئذٍ نحو السلم والحرص عليه وقبوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال:٦١].
وإن أبى العدو إلا الحرب والقوة! فالقوة لا تدفع إلا بالقوة، والعدوان لا يرد إلا بمثله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة:١٩٠] ففي آداب القتال عندنا لا يقاتل غير المقاتل، ولا يحاسب إلا المعتدي.
عباد الله: إنما تسقط الأمم في هاوية الذلة إذا صغرت همة رجالها، فلا يحسون بظلم، ولا يأنفون لعزة، ولا يثأرون لكرامة، يساقون بذلتهم ومهانتهم إلى جهل ونفرة وشقاق، العاجز لا يرجى لدفع مُلمة ولا يؤمل في النهوض بهمة، كما أنه ليس من العقل ولا من الحكمة الوقوف مع الهزائم، واستعادة الأحزان والتعثر في عقباتها، وتبادل كلمات اللوم وآهات التحسر: (ليت، ولو أن) فما كان ذلك من أخلاق الأقوياء، ولا من مسالك ذوي العزة والأنفة، وأباة الضيم.
وفي التنزيل العزيز حث لأهل الإيمان أن لا يكونوا مثل أصحاب هذه المسالك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران:١٥٦ - ١٥٨].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.