منها: أن علياً الأزدي جاء إلى ابن عباس وقال: يـ ابن عباس ما أفضل الجهاد؟ فقال ابن عباس: أقلت الجهاد؟ فقال: نعم.
فقال ابن عباس:[[ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد؟! تأتي مسجداً فتقرأ فيه القرآن وتتعلم فيه الفقه]].
الذي يبدو أن ابن عباس رضي الله عنه ورحمه بفقهه وهو حبر الأمة، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:{اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} يبدو أنه أدرك من الرجل أن غناءه في العلم والتحصيل والإفادة أكثر من غنائه في الجهاد، ولهذا نصحه بهذا، وهذا هو الذي ينبغي أن يعرفه طلبة العلم أو عموم المتطلعين إلى وجوه الخير الكثيرة؛ لأن أبواب الخير كثيرة وكبيرة، والإنسان لا يستطيع في عمره أن يأتي عليها كلها؛ فعليه أن يتوجه إلى ما يرى أن فيه فائدة، ويستطيع أن يغني فيه كثيراً.
فكأن ابن عباس رضي الله عنهما لاحظ ذلك على هذا الرجل وهو يريد الجهاد فقال: ألا أدلك على خير من ذلك؟! أن تأتي مسجداً فتقرأ فيه القرآن، فيبدو أن عنده قدرة على التعليم والتعلم وعلى تربية الناس، فمن هنا قال له: هذا خيرٌ لك من الجهاد، والجهاد في هذه الحالة فرض كفاية.
ويقول الشافعي رحمه الله: طلب العلم أوجب من صلاة النافلة وأوجب هنا بمعنى: أولى، فطلب العلم أولى من صلاة النافلة، وهذا في حق من يستفيد من العلم.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في المدينة، فجاءه عامله على مكة نافع بن الحارث الخزاعي فقال: من استخلفت في مكة؟ فقال: استخلفت فيها مولى لنا، قال عمر: استخلفت مولى؟! فقال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم قد قال: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}.
وكأنه يشير إلى قوله تعالى أيضاً:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١].