[آثار ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الحمد لله، أحكم الأشياء وأبدعها صنعاً؛ له الملك كله، وبيده التدبير كله، إعطاءً ومنعاً، وخفضاً ورفعاً؛ أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، ما أرسل رياحاً، وما أزجى سحاباً، وما أنبت زرعاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدر الأقدار ضراً ونفعاً؛ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فكان رحمة للعالمين، وهدى للبشرية جمعاء؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، استجابوا وانقادوا فكانوا أسمع وأوعى؛ والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة وانحساره أمر خطير ونذر شر مستطير.
بضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزداد المنكرات وتقوى، وتنتشر في الناس وتطغى، وحال الناس لا يقف عند حد، فإما أن يهيمن الخير والمعروف، ويرتدع المنكر ويستتر، وإما أن ينتفش الباطل ويستعلي المنكر.
والمجتمع الصالح هو الذي يسوده البر، ويكون فيه أهل الاستقامة والصلاح ظاهرين، والبلاء كل البلاء أن يعلن أصحاب المنكرات منكراتهم، ويتظاهر أهل الشر بشرهم.
والأمة التي تظهر فيها المنكرات وتفشو وتُعلن تتعرض لهزات عظيمة لا يعلم مداها إلا الله، والمعصية إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها، أما إذا أُعلن بها فإنها تضر العامة، وكل الأمة معافى إلا المجاهرين، ولقد سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: {يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث} فإذا تهاون الناس مع أهل المعاصي والمنكرات الفكرية والأخلاقية، وفشا أمرها، فلا يزال الخبث ينتشر وتألفه النفوس، وتتربى عليه الأجيال، وحينئذ يحيق بالقوم أمر الله، صالحهم وطالحهم.
فإذا ما غلت الأسعار، فإنها لا تقتصر على الفاسقين، وإذا ما اضطرب الأمن فإنه لا يخص الطالحين، وإذا استباح العدو الحِمَى فإنه لا يستثني أحداً.
وإذا ما استمر أصحاب الأهواء والشهوات في غيهم، فعلى المجتمع أن يتحمل المسئولية تجاه حاضره ومستقبله ودنياه وآخرته، {لتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراًَ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم}.
وفي الحديث الآخر: {ما من رجل يقوم في قوم، يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيِّروا عليه فلا يغيِّروا إلا أصابهم الله بعذاب قبل أن يموتوا}.
ويقول ابن العربي: والسكوت عن المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من الظَّلَمَة على الخلق.
أيُّ خير يرتجى مِمَّن يرى مَحارم الله تنتهك، وحدوده تضيَّع، وهو بارد القلب، أخرس اللسان؟! وهل الخوف والْهَلكة إلا من مثل هذا؟! ونعوذ بالله من موت القلوب، والقلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره لدين الله أكمل وأتم.
قيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه: [[مَن ميت الأحياء؟ قال: الذي لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً]].