ومن جانب آخر فإن للاجتهاد عند أهله مجالاً كبيراً؛ الاجتهاد في فهم النصوص، والاجتهاد في ثبوت بعضها -أعني: في مدى تصحيح بعض الأحاديث ودرجة قبولها- ثم الاجتهاد فيما لا نص فيه بخصوصه بطرقه، كالقياس والمصلحة المرسلة، والاستحسان، على نحو ما تقدم، والأصول والثوابت التي لا مساغ للاجتهاد فيها هي القطعيات، وما علم من الدين بالضرورة، وما تلقته الأمة بالقبول من الفرائض المحكمات والنصوص القطعيات، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والمواريث والحدود والمحرمات من الربا والزنا والخمر والميسر وعدد الطلاق والوفاة وأمثال ذلك فهذه دوائر لا تقبل الاجتهاد والجدل، كأن يقول بعض الناس بتعطيل فريضة الزكاة اكتفاءً بالضرائب، فضلاً عما يشوب الضرائب من حديث ومن نظم فقهية، أو يقول بتعطيل فريضة الصيام تشجيعاً للإنتاج، أو بإلغاء فريضة الحج توفيراً للعملة الصعبة، أو بإباحة الزنا والخمر وما يتبعهما ترغيباً في السياحة، أو باستحلال الربا دعماً لمشروعات التنمية والإنتاج فالقول بذلك من المهازل.