الحمد لله الذي أوجد الكائنات بقدرته، وقهرها بقوته، وفاوت بينها بحكمته، أحمده سبحانه وأشكره على كريم فضله وجزيل نعمته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصب الدلائل على وحدانيته.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه لرسالته، ورحم العالمين ببعثته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه وأزواجه وذريته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على هديه والتزم بسنته.
أما بعد:
فإن المستقرئ لتأريخ أمة الإسلام، ولا سيما تأريخ الفتن الداخلية، والنكبات الخارجية، ابتداءً بفتنة الردة، ومروراً بالإعصار المغولي، ثم الغزو الصليبي، حتى الاستعمار الحديث والحقبة اليهودية القائمة.
إن هذا التأريخ الإسلامي العظيم بقدر ما حمل من الحضارة والإضاءة والعدل والإنصاف مع نفسه ومع الأمم والشعوب التي انضوت تحت حكمه، وانطوت تحت لوائه؛ فلقد أثرت هذه الفتن والأزمات وهناً حضارياً، وصوراً من الغثاء الاجتماعي، حتى ضعضع الدهر كثيراً من جوانب الأمة، وأشمت بها الأعداء، بل أصبح من سلوة النفس الشماتة بالذات، ولكن هذه الفتن وهذه الأزمات في الوقت ذاته شكلت تحديات، وأثارت استفزازات، وجددت عزائم، وشحذت همماً، وحرضت على استئناف الشئون الحضارية.