[شهادة أحد المستشرقين بفضل خلفاء المسلمين في الرعاية الاجتماعية]
قال بعض المستشرقين وهم ممن يُسْتَحْسَن الاستشهاد بمقولاتهم في هذا المقام؛ لأن بلادهم في الوقت الراهن هي مقصد كثيرٍ من المعجبين بالعلم وصناعته.
يقول هذا المستشرق: كان الارتباط بين العلم والملوك وأثرياء التجار والنبلاء في العهود الإسلامية مصدراً لقوة العلم.
قال: وفي خلال فترة قصيرة هي عهد الخلفاء العباسيين: المنصور، وهارون الرشيد، والمأمون، والمتوكل، لَقِيَت العلوم تشجيعاً لم تشهده منذ أيام متحف الإسكندرية، يعني: عهد الرومان.
والعناية العملية التطبيقية ولدت مزدهرة مع بزوغ فجر الإسلام، أي: منذ أن قام نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بمهمة الدعوة من أول أيامها، فهو الذي يقول:{من كان له فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له} وهو الذي نهى عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل دافة من البادية دفت على المدينة وسوف نبسط بعض البسط -إن شاء الله- في الفقرة التالية شيئاً عما أنجزه العُمَران: عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز من النظم الاجتماعية في هذا الباب.
أقول ونحن بصدد الحديث عن دور هذه القيادات في المجتمع الإسلامي في تاريخه الطويل: لقد أنشئت في تاريخ الإسلام الدواوين الخاصة للعطاء وتقديم مساعدات في ضوء الاحتياجات الشخصية للعاجزين من المرضى والعجزة وكبار السن والأرامل والمطلقات في سَوْقٍ سوف يأتي إيضاحه وبيانه.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو صاحب قصة الصبية الجياع مع أمهم حين حمل لهم كيس الدقيق على ظهره، وذهب به إلى هذه المرأة وصبيتها، والدموع تتناثر على لحيته، والدقيق يتناثر على وجهه، شعوراً بالمسئولية، وخشية من ضياع الرعية، وهو الذي رأى يهودياً قد طعن في السن يسأل الناس، فقال: ما ألجأك إلى ما أرى؟ فقال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وأعطاه ما يكفيه، وقال لخازن بيت المال: انظر هذا وضرباءه -أي أمثاله- فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نتركه عند هرمه.