الحمد لله خلق الخلق وأنشأهم فأحسن الإنشاء، وأعطى وأنعم فأجزل في العطاء، أحمده سبحانه وأشكره، له الخلق والأمر وبيده التقدير والتدبير، يعلي قدر من يشاء ويخفض ويؤخر كما يشاء، اصطفى المرسلين والأنبياء، ورفع درجات أهل الإيمان والعلماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالربوبية والألوهية والصفات والأسماء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله خير من وطئ الحصى، وأشرف من نزل البيداء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله السادة الأولياء، وأصحابه الكرام النجباء، نالوا بصحبته المنازل العلى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على طريق الحق واهتدى.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: العلماء بعلومهم، والحكماء بحكَمِهم، والصالحون بوصاياهم، هم -بإذن الله- نجوم هادية لمن سار في الليالي المظلمة، ودفة محكمة لمن خاض عباب البحار الموحشة، وغيث مدرار يأتي على الأرض الهامدة، فتهتز وتربو ثم تنبت من كل زوج بهيج ومن أجل هذا فما كان حديثاً يفترى، ولا فتوناً يتردد، تلك السير الرائعة والتراجم الماتعة، التي تبين وتنبئ عن حياة أهل العلم والفضل من أئمة الهدى وأعلام السلف علماء ربانيون، وأئمة متقون ينفع الله بهم ويبارك في علومهم يبلغون الدين أحسن بلاغ، ويحفظون الأمة -بإذن الله- من الضياع هم المرجع في العلوم والحكم، وحسن المواعظ، ولزوم السنة والسير على نهج السلف الصالح، فهم هداة ينيرون السبيل للسالكين تنقضي أعمارهم، وتمر حياتهم على هذه الدنيا مرور الغيث الهامع، فتخضر الأرض وتنبت وتثمر، فيحمد الوارد والصادر، ويسجل التاريخ حديثهم للرواة، ويحفظ أيامهم وسيرهم نبراساً للدعاة فهم -بتوفيق الله- الحديث الحسن لمن وعاه اشتغلوا بالعلم وتحصيله وتحقيقه وتفصيله الواحد منهم أمة لما جمع الله فيهم من خصال الرجال، وضم من محاسن الأقوال والأفعال، فكانوا مضرب المثال ومحط الرحال.
العلماء هم منائر الأرض ومنابرها، وهم نجومها وزينتها نجوم إذا انطمست ضل السائرون طريقهم، وكواكب إذا تهاوت التبست على الحيارى مسالكهم.
أثنى الله عليهم ورفع مقامهم ونوه بذكره فقال:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١].
وخصهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالفضل الأسنى في أحاديث شتى، في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنه والحافظ ابن القيم رحمه الله يقول: هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والماء، وطاعتهم أفرض من طاعة الأمهات والآباء، بنص الكتاب العزيز كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:٥٩] وأولوا الأمر: هم الأمراء والعلماء.
وبموتهم وانطفاء أنوارهم تنتقص الأرض من أطرافها، كما ذكر ذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال:[[خراب الأرض بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير فيها]].
فرفع الله في عليين منازلهم، وأحسن في الدارين مثوبتهم، وأجزل لهم أجرهم، وحفظ أثرهم وآثارهم، وعوض المسلمين بفقدهم خيراً.