[مفهوم السلام بين الزيف والحقيقة]
أيها القادة أصحاب القرار أيها الناس! دعوة مخلصة وأنتم ترون الصراع في هذا العالم يتفاقم، والاستغلال يتعاظم، والمطامع لا حدود لها، والموازين لا ضابط لها، دعوة صادقة والبصير يرى أن من بيده القرار ورعاية الحقوق يسلك التعسف بالقوة ومد الذراع القوية لتنال كل من لا يوافق على المشروعات المطروحة.
إن هذا مسلك خاطئ، وظنٌ جائر، فالتعسف في استعمال القوة لن يجلب سلاماً، ولن يسكت مظلوماً، ولكنَّه تفجير لمخزون من الحقد لا يقتصر على منظمة أو حزب أو هيئة أو جهة؛ بل سينال كرامة الإنسان كرامة العربي وكرامة المسلم، بل الكرامة كلها وعزة أهل الإسلام في كل الأرجاء.
دعوةٌ من مُنطلق ديننا الحق، ومن بدهيات العقل ومسلَّماته، فمن حق المظلوم أن يدافع عن نفسه إذا سُدَّت أمامه محاولة استعادة الحقوق، لا يُلام مظلوم إذا شك في نوايا خصمه إذا كان الوسيط غير منصف لماذا يَصِلُون به إلى نقطة اليأس فيتساوى عنده الموت والحياة، وحينئذٍ لا يبقى عند هذا المسكين شيء يخشى فقدانه؟
مشاهد مُرعبة من الدماء والأشلاء والتشريد والتقتيل يستحيل أن تمحوها الأيام، بل إنه ليشب عليها الولدان، وترضعها الأمهات مع الألبان، إرهاب عسكري وسياسي واقتصادي يجري تنفيذه ويجري التخطيط لآخر مثله.
إنها دعوة مشفقة وأنتم تُكافحون الإرهاب، وتستنكرون العنف، وتدعون إلى السلم والسلام.
دعوة إلى مشاهدة استئصال الأطفال والنساء وهم في الملآجئ الآمنة، وملاذات الحمايات الدولية، من رحم هذه المآسي تتولد كل ألوان العنف والسفك وتفجير الأنفس، منها وفيها تنبت تنظيمات انتقامية التوجه، ومجموعات عدوانية النزعة، كيف تستبعدون أن يتولد من ركم الجثث إرهابيون؟
ولماذا لا يخرج من بين أنقاض البيوت متطرفون؟
معانات وتسخُّط وجورٌ وتأسف والقسوة لا يُقابلها إلا قسوة، حرب الحجارة، وتفجير الأجساد، وانتفاضة الأطفال والليالي حبالى مشحونة بالغضب والرفض والإباء، إنها حبالى غضب مكتوم، وقهر محبوس، عناقيد غضب يصبها المعتدون وحقيقتها بذور حقد لا تنبت إلا حقدًا، ولا تزرع إلا نقماً وانتقاماً، غزوٌ واجتياح، وتعديات ومظالم لا تدفع إلا إلى الإحباط وفقدان الثقة في المجتمع الدولي كله بنُظمه ومنظماته، فأي عاقلٍ متجرد يُشاهد المناظر الدامية ثم يرى أصحاب القرار وهم يُدافعون عن المعتدي، ويتلمَّسون المصوغات لتصرفاته، ويُحرمون أصحاب الحق من المقاومة ودفع العدوان؟
دعوةٌ صادقةٌ للنظر في مفهوم الأمن الذي يسعى إليه الجميع، والسلام الذي يُحبه الجميع، ويؤمن به الجميع، ويدعو إليه الجميع، هل هو يا ترى أمن طرف واحد وسلام شعب واحد؟
وهل هو حق لجهة دون أخرى؟
أي سلام لا يكون الحديث فيه إلا عن التفوق العسكري لطرف على حساب آخر؟!
أي سلام يلتزم فيه قائم على رعاية السلام بتفوق طرف على آخر؟!
هل هو سلام بمواصفات خاصة وشروط خاصة؟!
أهو سلام الغلبة والتسلط والتهديد ضد كل من لا يرضى بهذا النوع من السلام؟!
سلام يَهدم البيوت، ويُشرِّد من في الديار، ويُحاصر الشعوب، ويعتقل المئات، ويجعل رد ظلم من طرف إرهاباً ومن طرف آخر حقاً مشروعاً!
سلامٌ تكون فيه الدماء رخيصة، والحقوق مهدرة، والأرض مستباحة، والبيوت غير محترمة!
سلامٌ يتخذ العقوبات الجماعية منهجاً!
سلامٌ ينتقض السيادة، ويلغي الكرامة، ويهين العزة!
أي سلام يحول فيه المنطقة إلى منجم عمالة رخيصة وإلى سوق استهلاكية مسلوبة الإرادة؟!
سلام المراوغة، واقتناص المكاسب الاقتصادية!
سلام يثمر عنصرية وفقراً، وجوراً منظماً!
سلام من طرف لا يرضيه سوى فناء الآخر وهدِّه، وهدم اقتصاده، وتقطيع أوصاله!
إنهم يبنون سلاماً على أعواد من القصب تهتز وتتساقط كما لعبت بها رياح الغضب!
إنها دعوة إلى توضيح مفهوم السلام.
وثمة دعوة أخرى مرتبطة بها وقرينتها: إنها دعوة لأن تقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، أين ميزان الحق؟!
إذا كان عدوان المعتدي دفاعاً على النفس، وحفظاً على أمنه وأمن شعبه، ومقاومة الشعوب للظلم والاحتلال إرهاباً وعدواناً، وتهديد لأمن الآخر وشعبه.
كيف ينقطع الظلم؟ ومتى يتوقف العدوان؟ إذا كان حقد العدو غضباً مشروعاً وغضب المظلوم إرهاباً ممنوعاً؟!