[التوحيد في الشهادتين وفي الصلاة]
الشهادتان معروفة؛ لأنها لفظ التوحيد، لكن الذي ينبغي بيانه هنا أن النطق بالشهادة غير الاعتقاد، فإن الاعتقاد هو الأصل، وذلك أن تعتقد أن الله واحد لا شريك له، لكن أن تشهد، أي: أن تتلفظ، فإن أركان الإسلام أولهما الشهادتان، بمعنى أن تشهد وتنطق أن لا إله إلا الله ما معنى ذلك؟
المشهور عندنا أن الإنسان يشهد أن لا إله إلا الله أول ما يسلم، وهذا صحيح، لكن حينما تتأمل أحكام الإسلام، تجد أن الإسلام طلب منا الشهادتين في مواطن كثيرة جداً، وهذا هو الذي ينقصنا في تعليم التوحيد.
المتبادر إلى الذهن أن الكافر إذا أراد أن يسلم يشهد أن لا إله إلا الله أمام قاضٍ، ويعلن الشهادة، وينطق الشهادتين، فيدخل في الإسلام.
لكن حينما ننظر في أحكام الإسلام نجد أننا في اليوم أكثر من عشرين مرة نشهد أن لا إله إلا الله، بل أكثر من ذلك أول مرة عند الأذان، قد تقول: المؤذن هو الذي يشهد أقول: نعم.
لكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول} والمؤذن يقول مرتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) والنطق بلفظ تجديد التوحيد ليس عبثاً، وكما خوطب به الأنبياء والمؤمنون، نخاطب نحن به أيضاً، وكأني أغسل قلبي وأغسل نفسي، وأتفقد هل أنا متعلق بالله أم لا؟ هل أنا أشهد أن لا إله إلا الله حقيقة أم لا؟ المؤذن خمس مرات في اليوم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، على رءوس الأشهاد، وأنت تقول مثله حتى في إقامة الصلاة أذان وفيها شهادتان، وكل صلاة تصليها تتشهد تشهداً أو تشهدين، وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله هل تأملتم هذا الكلام؟ هل ديننا يشكك في عقائدنا؟ لا، إنما هذا تجديد، ولا بد من التجديد.
إذاً هذا لفظ الشهادة فقط غير لفظ (لا إله إلا الله) الذي يرد كثيراً، سواءٌ في الأذان أو في غيره، فإن الأذان فيه (أشهد أن لا إله إلا الله) وفيه (لا إله إلا الله) في آخره، فضلاً عن المعاني من غير النطق.
كذلك كلمة التوحيد (الله أكبر) لو تأملتها لعلمت أنها توحيد، المؤذن يقول: (الله أكبر) وأنت تقول مثله.
ماذا تعني (الله أكبر)؟
تعنى أنه ليس في ذهنك ولا في قلبك ولا في تفكيرك ولا في تصورك ولا في سلوكك أن شيئاً أكبر من الله عز وجل، لا في تدبيره ولا في ملكه ولا في مراقبته ولا في قدرته عليك هذا هو التوحيد.
التوحيد أن يكون قلبك خالص التعلق بالله عز وجل.
حينما تقول: (الله أكبر) ويقول المؤذن: (الله أكبر).
هذا فضلاً عن تكبيرات الصلاة، فإن في كل حركة انتقال تكبيرة تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرات الانتقال من قيام إلى ركوع إلى سجود إلى قعود إلى قيام، كله تكبير ماذا يعني هذا؟
إنه يعني معالجة النفس ومعالجة القلب، وإخلاص التعلق بالله عز وجل والارتباط به سبحانه.
هذا فقط في هذه الألفاظ الظاهرة، ألفاظ الأذان، والألفاظ الظاهرة في الصلاة، فما بالك بالتوحيد في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٤ - ٥] وفي قولك: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، سبحان ربي العظيم! هذا هو التوحيد، وإن كان بعض العلماء يقولون: هذه فروع.
لكن هذه كلمة على الهامش.
الفصل بين التوحيد والفقه جيء به للتعليم، ما جيء به للتقسيم؛ بمعنى أن التوحيد ليس له علاقة بالفقه، وأن الفقه ليس له علاقة بالتوحيد، فهذا ليس بصحيح إنما جيء به للتعليم، وهو يسمى (تقسيم علوم) للتعليم فقط، فحينما نقول: فقه، وأصول، ومصطلح، وتفسير، وعلوم قرآن، وتخريج، وعلوم فرائض، ومواريث، وعلوم أخرى، حتى النحو والصرف، هذه التقسيمات إنما هي للتعليم، وليس للفصل بينها، وأن نجعلها فرعيات بحيث يكون الاهتمام بها قليلاً، وهذه موصولة بهذه، وكلها تخدم الدين، وكلها يخدم بعضها بعضاً.
كذلك هيئات الصلاة؛ فيها تعظيم لله عز وجل، فالصلاة كلها تعظيم، وكلها خشوع، كما قال تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] كذلك تسبيحات الركوع، وتسبيحات السجود، وهيئة الركوع والسجود، كلها حركات لله عز وجل.