الحمد لله يقول الحق وهو يهدي السبيل، أحمده سبحانه وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مثيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله جاء باليسر والرفق والتسهيل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الهدى والتقى والتفضيل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن العسر والتشدد والتنطع كثيراً ما يدعو إليه قلة الفقه في الدين، والجهل بمقاصد الشرع وأصول الملة وضعف العلم، وقد يدعو إليه دوافع من هوى النفوس، وفي الحديث الصحيح:{ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فأوغلوا فيه برفق} يقول ابن نمير: وفي هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة؛ فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطعٍ في الدين ينقطع، وليس المراد من قام بالأكمل في الدين والعبادة، فإن هذا من الأمور المحمودة، بل المراد منع الإفراط المؤدي إلى الملل، والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل.
ومن قلة الفقه في هذا الباب: أن يسلك بعض الناس مسالك التشدد في بعض الظواهر، من الأحكام الفرعية والعبادات والطاعات، ولكنه يتهاون في كبائر معلوم مراتبها من الدين، كالغيبة، والنميمة، والقذف، والحسد، والتماس العيوب للبرآء، وتدبير المكائد لمن خالفه من إخوانه، والوشاية، وأكل أموال الناس بالباطل.