الأمة في عقيدتها تمثل الجسد الواحد والبنيان المرصوص، هل يجتمع الدين الصحيح والعقيدة الصافية مع الثقة بالعدو والتصديق لأخباره، والاعتماد على وعوده؟
تقرر العقيدة أن الركون إلى الذين ظلموا والرضا عن أحوالهم ليس له نتيجة إلا أن يُسام المسلمون سوء العذاب، تُمتهن الكرامة، وتُداس المهابة، وتُسترخص الدماء، ويُستباح الحمى، وتنتقص الديار، وتستنزف الأموال:{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[هود:١١٣].
تُقرر العقيدة أن العدو إذا علا أمره فلن يقبل من المسلم إلا الردة أو القتل:{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً}[الكهف:٢٠].
تجلي العقيدة العلاقة مع العدو في أجلى صورة، إنهم إن أبدوا الود ظاهراً، وتظاهروا بالحرص على مصالحنا وحقوقنا فما هذا إلا بظاهرٍ من القول، أما قلوبهم وغاياتهم فمنعقدة على العداوة والبغضاء:{يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ}[التوبة:٨].
العقيدة تُؤكد أن الأعداء لا يألون جهداً في إلحاق الضرر بالمسلمين، وإذا حلَّت بالمسلمين الكوارث والمصائب، وخسروا الأهل والديار والأموال فذلك ما يشتهون:{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}[آل عمران:١٢٠].
وفي النهاية: فإن عقيدتك -أيها المسلم- تؤكد لك أن أعداءك مُستمرون في القتال والإيذاء سراً وجهراً، قديماً وحديثاً، في صفاقة ظاهرة أو خطة ماكرة، في حروب باردة، أو معارك ملتهبة، ليس لهم غاية إلا أن يردوكم عن دينكم إن استطاعوا:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:٢١٧].
وبعد أيها الإخوة: فهذه مواقف ودروس، والطريق أبلج والمحجة بيضاء:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٢١] نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.