[عمل المرأة]
نأتي إلى قضية عمل المرأة.
قضية الحط من العمل المنزلي.
ما كان ينبغي أن يكون عمل المرأة مشكلة، لأنه مع الأسف إذا قالوا: عمل المرأة أو إذا قالوا: المرأة العاملة فإنهم لا يعترفون بعمل المرأة إلا إذا كان خارج بيتها، ومع الأسف حاولوا أن يرسخوا هذا المصطلح، وهذا من التغريب؛ فإذا قال لك: المرأة العاملة، وظروف المرأة العاملة، وتهيئة ظروف المرأة العاملة، ومساعدة المرأة العاملة، فالمرأة في بيتها عندهم ليست عاملة، ولهذا كان توجههم الأول هو الحط من العمل المنزلي.
نحن لا ننكر أن المرأة قد تحتاج إلى أن تعمل خارج بيتها، هذا لا شك أنه مقدر ومأذون فيه بضوابطه، لكن منطلقهم وهو الذي نركز عليه هو الحط من العمل المنزلي، واعتبار أنه إذا كانت المرأة في بيتها فإن نصف المجتمع معطل، والمجتمع كما يقولون أو كما يعبرون: يتنفس من رئة واحدة.
وأنا أريد أن نتحدث في هذا عن نوع من الخطاب الرقمي، أو الإحصائيات فيما يتعلق بعمل المرأة في منزلها، وهو ما يسمونه: بالإنتاج القومي، أو المردود الاقتصادي، لأن هذه معاييرهم، أما قضية الحشمة، وقضية الأدب، وقضية تربية الأولاد؛ فهذه ليست في حسابهم أبداً، صحيح أنهم يتكلمون نظرياً عن المرأة وتربية الأولاد، لكن الواقع إلحاحهم على إخراج المرأة، وعلى إلغاء أهمية العمل المنزلي هذه هي القاصمة وهذه هي الطامة، ولهذا فهم يصرون على إخراج عمل المرأة في بيتها من مفهوم العمل، ولهذا تجد في عباراتهم الشائعة: أن المرأة إذا لم تعمل خارج منزلها فإن المجتمع يكون نصف معطل، أو هو مجتمع يتنفس من رئة واحدة، وبنظرة علمية عاقلة بحسب مقاييسهم تدرك أن هذه الدعوة لا يسندها أي حجة، مثلاً: هذا اقتصادي معروف لكن بطبيعتي لا أحب ذكر الأسماء في مثل هذه الجموع والمرجع والصفحة مثبت عندي، يقول: إن إهمال تقدير خدمات وأعمال ربات المنازل عند حساب الناتج القومي يؤدي إلى كثير من المغالطات، وفي تقرير للأمم المتحدة صدر عام خمسة وثمانين ميلادية، يعني: أربعمائة وخمسة تقريباً حول القيم الاقتصادية لعمل المرأة في المنزل، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية.
طبعاً نساء العالم بما في ذلك أوروبا، وأوروبا المرأة العاملة فيها بالبيت قليلة جداً، وأغلب النساء التي تعمل في المنازل من نساء العالم الثالث، والعالم الثالث هو الذي يعاني الفقر، فإذا خرجت المرأة من بيتها كيف ستكون ميزانية الدول، لاحظ ماذا يقول التقرير، يقول: لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد.
بمعنى: أن المرأة في بيتها قد وفرت على الدولة نصف دخلها القومي، فما بالك بدول العالم الثالث الفقيرة أو التي مستواها قريب من الفقر؛ فإنها ستفقد نصف دخلها القومي، يعني: يزيد فقرها فقراً، ولا تكسل لأنها لا تأخذ من بيت المال أو من ميزانية الدولة إذا عملت، هذا بمقاييس مادية ومقاييس رقمية.
لو أعطيت نساء العالم أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد، ولو قامت الزوجات بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم، سيسير الأطفال في الشوارع، ويرقد الرضع في أسرتهم جياعاً تحت وطأة البرد القارس، أو السَّموم اللاهب، وستتراكم جبال من الملابس القذرة دون غسيل، ولن يكون هناك طعام للأكل ولا ماء للشرب، ولو حدث هذا الإضراب فسيقدر العالم أجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في البيت.
ثم يقول التقرير: عمل المرأة في المنزل غير منظور لدى الكثيرين -طبعاً الأمم المتحدة تعتبر حيادية، وتتحدث عن قضايا إحصائية- وإن المرأة لا تتلقى أجراً نظير القيام بهذا العمل، إن هذا العمل حيوي وعلى جانب عظيم من الأهمية؛ غير أن هذه الساعات الطويلة من عناء المرأة في المنزل لا يدركه الكثيرون لأنه بدون أجر.
هذا كما قلنا قضية رقمية فما بالك بالتربية، ما بالك بالحنان، ما بالك بالاستقرار، ما بالك بالسكن في البيت، بالسكينة والطمأنينة، هذا كله لم يحسم، تصور زوج وزوجته لا يأتون إلا بعد العشاء، أو لا يأتون إلا بعد العصر.
إذاً: نقول: إن المرأة لو تقاضت أجراً لقاء أعمالها المنزلية لكان أجرها أكثر من أربعة عشر ألفاً وخمس مائة دولار في السنة، إن النساء الآن -وهذا عام خمسة وثمانين- في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من (٢٥% إلى ٤٠%) من منتجات الدخل القومي من أعمالهن المنزلية.
هذه المجتمعات الصناعية فما بالك بالمجتمعات التي لا تعمل فيها المرأة كثيراً في الخارج؟
وامرأة سويسرية تركت العمل ورجعت إلى البيت، تقول: لو حسبت أجر المربية والمعلمين الخصوصيين ونفقاتي الخاصة، لو أنني واصلت العمل لوجدتها أكثر مما أتقاضاه بكثير.
ولهذا هي فعلاً حسبت لنفسها أنها وفرت على نفسها شيئاً كثيراً، وكما قلت: هي نظرة مادية.
وما بالك بالقضايا غير المنظورة وهي أهم؛ كما في قضية التربية والسكن والحشمة، واستقرار النفس بين الزوج والزوجة وأشياء كثيرة.
مع الأسف أؤكد مرة أخرى على توجهنا الحق من العمل في المنزل، يقول أحدهم: إن مهمة المرأة التي يتم تقييمها على أساسها تنحصر في الحمل والطبخ وتنظيف المنزل والعناية بالزوج.
ومع الأسف أن هذه المقولة لأحد أبناء المسلمين، ولو أني قلت له: قال الله وقال رسوله يمكن ألا يستجيب ويقول: هذه أساطير الأولين، لكن لو قلت له: قال فلان وفلان، ولهذا سأقول له: قال برناردشو؛ لأنه غربي، وأظنه سيسمع كلامه، فأنا أقول: هذا المسكين لو سمع مقالة بعض الغربيين في أهمية الحمل لتغيرت رؤيته، ولو سمع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعنايته بالحمل والحامل والجنين لما تغيرت؛ وهذا من التغريب الذي مسخ الأفكار، ومسخ العقول.
برناردشو يقول -ولقد سميته مع أني لا أحب -كما قلت- ذكر الأسماء ولكني مضطر لخطاب مثل هؤلاء- يقول: إن العمل الذي تنهض به النساء، العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه هو حمل الأجنة وولادتها؛ لكنهن لا يؤجرن بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق، بل العكس ينظرون أنها حضانة كبهائم وكمجرد تفريخ ونحو ذلك.
ولهذا ديننا حاول أن يصور قضية الحمل بشكل: {وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:١٤] ليبين حقها {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:١٥] كل هذا بيان لأهمية هذا الأمر، والموضوع كبير في هذا.
إذاً: هذه القضايا في موضوع تعليم المرأة وشعار تحريرها والعمل كذلك خارج وداخل المنزل هي التي تدور في الساحة، وهي التي يلوكها من يلوكها على هذا النحو من الطرح مع الأسف؛ نوع من السخرية، ونوع من الاستهجان، ولكن أؤكد أنها نظرة غير عاقلة، وإنما هي إما نوع غفلة وجهل، وإما سوء نية وطوية؛ لأنها لا تخدم اقتصاداً، ولا ديناً، ولا خلقاً، ولا تماسك مجتمع، ولا نهضة حقيقية.