[الشك والتسخط والرضا واليقين]
والغريب -أيها الإخوة- أن هناك ترابطاً وثيقاً بين الشك والتسخط، فلا سخط من غير شك؛ فلا تكاد ترى سخطاً من غير شك، ولا شكاً من غير تسخط.
قال ابن القيم رحمه الله: قلَّ أن يسلم الساخط من شكٍ يداخل قلبه، وإذا فتش نفسه وجد يقينه معلولاً مدخولاً.
فالرضا واليقين إخوان، والسخط والشك قرينان والساخط المتسخط دائم الحزن والكآبة، ضيق النفس والصدر، ضائقٌ بالناس وضائقٌ بنفسه، الدنيا في عينيه مثل سم الخياط.
أما الرضا فهو سكون وطمأنينه، وراحة فيما قدر الله واختار من أنعم الله عليه بالرضا تأتيه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، لا يصبح ولا يمسي إلا راضياً مرضياً، لا يرى إلا الحسن والسرور، فإن عين الرضا تعمى عن العيوب، وعين السخط تملؤها المساوئ وليس من شرط الرضا ألا تحس بالمكاره، ولكن الرضا ألا تعترض على المقادير، ولا تتسخط على المكتوب.
هنيئاً لمن ملأ الرضا فؤاده، فإنه لا يتحسر على ماضٍ باكياً حزيناً، ولا يعيش حاضراً ساخطاً جزوعاً، ولا ينتظر المستقبل خائفاً وجلاً، ولا يعيش في رهبة من غموض، ولا توجسٍ من جبروت إيمانه مصدر أمانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢]
هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والهدى نبيكم محمدٍ المصطفى، فقد أمركم بذلك ربكم عزَّ وجل فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الرحمة المهداه، والنعمة المسداه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم واحمِ حوزة الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وأصلح له بطانته، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.