نأتي إلى قضية تعليم المرأة وعملها: وهذه قد أقف عندها وقفات ونحن نتحدث عن التغريب.
وكما كان اللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك كان اللبس في تعليم المرأة، فإن من حق المرأة أن تتعلم، وكما قلنا: أي خطاب للرجال هو خطاب للنساء، وقال الله عز وجل:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:١ - ٥] الرجل والمرأة، و {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩] الرجال والنساء، فأي خطاب كما قلنا فهو موجه للرجال والنساء، ولا شك أن هناك ضوابط مأخوذة من الدين أيضاً، وإلا فقول النبي صلى الله عليه وسلم:{طلب العلم فريضة على كل مسلم}، ليس في الحديث مسلمة لكن لفظه مسلم تشمل الرجل والمرأة، إلا أنه لا شك أن هناك ضوابط تتعلق بطبيعة المسئوليات التي بها تستقيم الحياة استقامة حقيقية يترتب عليها نوع التعليم، ولهذا نقول: وكما كان الخلل واللبس في مفهوم تحرير المرأة كذلك حصل اللبس والخلل في مفهوم تعليم المرأة، إذ لا شك أن تعليم المرأة حقٌ، وحينما جاء الحديث الشريف:{طلب العلم فريضة على كل مسلم} فإن المراد به كل مسلم ومسلمة؛ لأن الخطاب كما قلنا للجميع، وهذا معروف في نصوص الكتاب والسنة، وكذلك في أسلوب اللغة، ولكن الانحراف الذي حصل في هذا المفهوم، أو هذا الشعار أنهم ربطوا ذلك باختلاط الفتيان والفتيات، وربطوا ذلك بالتبرج في اللباس، وربطوا ذلك بأمور كثيرة، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا حينما جاء التعليم -طبعاً في غير ديارنا ولله الحمد- لكن نحن نتحدث فعلاً عن قضايا التغريب، فكأنهم حرصوا على أن يضعوا الأسرة المسلمة في الاختلاط وأمام مأزق الدين نفسه، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، من غير تعليم، وفي الواقع هناك ارتباط بين التعلم في كثير من الصور المعاصرة وبين التفسخ الأخلاقي، مع الأسف أن هذا الذي ينكره يماري مماراة ويجادل في أشياء لها برهان كالشمس في كثير من قنوات التعليم.
إذاً: حينما ربطوا بين التعليم والاختلاط، وبين التعليم والتفسخ، وبين التعليم وأنواع اللباس، كأنهم حرصوا أن يضعوا الأسرة المسلمة أمام مفترق طرق، أو مأزقٍ ديني ونفسي، فإما أن يعلموا بناتهم، وإما أن يحفظوا عليهن خلقهن ودينهن، إما أن يبقين بلا علم، وإما أن يفرطن في التزاماتهن الدينية والخلقية والتربوية، وأنت تعلم عقلاً وحساً أنه ليس ثمة تلازم بين التعليم والاختلاط، ولم يقل أحدٌ بأن البنت إذا تلقت العلم مع زميلتها وشقيقتها سيسوء فهمها ويتأخر تعليمها، ولكن مع الأسف ورغم وضوح ذلك فقد حرصت الدعوات المشبوهة والمنحرفة بمعونة مؤسسات من الداخل والخارج على ربط تعليم المرأة بالاختلاط مما أساء في نهضة المرأة المسلمة، فلمصلحة من تلزم الأسرة المسلمة بما لا يلزمها؟ وهل النهضة لا تكون إلا بترسيخ مبدأ علماني غربي في ديار الإسلام ليس له أي مردود نهضوي أو عقلاني في مسيرة الأمة نحو السبق الحضاري الراشد؟ والنتيجة لقد أخرجوها من بيت وليها أباً أو زوجاً أو غيرهما بشتى الحيل بل وأهونها، فكان ذلك بدايات المحذورات جميعاً، وتركت المرأة جهادها الكريم في بيتها، وانصرفت إلى نضال مدنس أو على الأقل ثانوي؛ سعياً وراء تحصيل علم بزعمهم، وتحقيق الكيان الاجتماعي بحسب تعبيراتهم، وإثبات الشخصية والوظيفة المرموقة، وباسم العلم والنور والتقدم أخرجوا نماذج نسوية تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل ومسارح الاختلاط المختلفة خلفت وراءها رسالتها الحقيقية وبخاصة سياسة البيت، فنبتت المشكلات الأسرية والزوجية، وتفككت الأسرة، وضاعت المسئولية، ومع الأسف أن هذا فيما يتعلق بالتعليم المختلط، أو حتى عموم تعليم المرأة.
ونحن نتكلم بشكل عام، ولكن الحمد الله بلادنا ليس فيها اختلاط ولله الحمد، والأمر لدى مسئولينا أمر واضح، وسياسة التعليم عندنا واضحة، والجهات المسئولة عن تعليم البنات تعرف كل ذلك وتعيه ولله الحمد.