للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر]

الأمر الثالث في نظرة الزواج في الإسلام: بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر والنافع، المكافئ لما مُنحه الإنسان من عقل وتفكير، فالله عز وجل خلق الإنسان وكرمه، وجعل له مزايا يفوق بها الحيوان، بل لا مقارنة بينه وبين الحيوان إلا من حيث أنه ينمو ويأكل ويشرب؛ ولكن لا نسبة؛ لأنه أعطي العقل والتفكير، وأعطي مع ذلك التكليف، ولما أعطي التكليف وكان قادراً على تحمل التكاليف كان مستخلفاً.

فهو مسئول؛ فالله عز وجل استخلفه في هذه الأرض وهو سائله: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:٦١].

يعني: طلب منكم عمارتها.

إذاً: النوع الإنساني يختلف عن سائر المخلوقات كلها، فخلق السماوات والأرض والجبال أكبر من خلق الناس، حتى الجمل أكبر من خلق الإنسان؛ ولكن الإنسان أعطي فكراً وصار هو المسئول: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب:٧٢] على كبرهن وضخامتهن: {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ} [الأحزاب:٧٢].

وإذا كان مسئولاً فلن يقوم بالمسئولية على تمامها إلا حينما تكون الأسرة منضبطة ومحترمة؛ ولهذا نقول مرة أخرى: بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر.

فإن بقية الأنواع موجودة، وقد لا تنقرض بعض الحيوانات؛ لكن ليس هذا هو المقصود، بل المقصود أن يبقى النوع البشري على نحو مفيد، يعمر هذه الأرض على نحو ما أمره الله عز وجل، فيكون الإعمار المجدي والنافع مكافئاً لما منحه الله ووهبه، من عقل وتفكير، وليس مجرد -كما يقولون: بقاء النوع- فلو كان المقصود مجرد التزاوج؛ لحصل الأمر كما يحصل للحيوانات من غير بني البشر، فالحيوانات تتكاثر، ولا يوجد أكثر من الكلاب، فهي تتكاثر وتتوالد لكن هل هذه هي المهمة فقط؟

هل المهم أن يتكاثر الجنس البشري؟

لا.

المهم أن يتكاثر تكاثراً منظماً يقوم على أساس القيام بمهمة التكليف، وهذا لا يكون إلا في أسرة كريمة.

ومن أهم أهداف الزواج: بناء الأسرة وبقاء النوع على نحو نافع، ولو فقه هذا أولياء الأمور، والمسئولون، وحفظوا هذا لما كانت القضية المادية هي كل شيء، فلو كان المقصود مجرد التزاوج؛ لحصل الأمر كما يحصل في الحيوانات من غير بني البشر؛ ولكن هذا لا يمكن أن يلائم الإنسان المستخلف لعمارة الأرض، والسير على أمر الله عز وجل.