[معالم في التربية]
الحمد لله عم بحكمته الوجود، وشملت رحمته كل موجود، أحمده سبحانه وأشكره، وهو بكل لسان محمود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الفرد الصمد المعبود، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صاحب المقام المحمود والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الحنفاء الأطهار الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، والموقف المشهود.
أما بعد: -
فاتقوا الله عباد الله! فإن تقواه أقوم وأقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧].
أيها الآباء: أيها المعلمون! أيها المربون! يُربى أبناؤنا على القدوة الحسنة، ونشدان الكمال، وعلى إحقاق الحق، وحب العدل، يجب البعد عن التناقض بين المبادئ الأصيلة الصحيحة من الإيمان والخير والطهر وبين مبادئ الكفر والظلم والقسوة والانحطاط الخلقي.
أيها المربون: ينبغي أن يعلم أن التقليد فطرة مغروسة في سلوك الطفل، فهو يقلد ما يراه، إن حسناً فحسن، وإن سيئاً فسيء، ومن ثم فلا ينبغي أن تقع عين الطفل إلا على كل مظهر حسن، وعلى ألا تتلقى أذناه إلا كل لفظ مهذب، ولا ينمو رصيده من المشاهدات والمدركات والمعارف إلا على كل تصرف رشيد وكل عمل مفيد.
والنفوس مجبولة على حب التملك والتفوق والثناء، فلا ينبغي أن يغفل الأب والمربي عن الحوافز المادية، والمشجعات الأدبية، فتتنوع الحوافز والجوائز فيُمنح مالاً، ويُهدى كتاباً، ويُشجع بالألفاظ المسموعة والمكتوبة، ناهيك بالحافز الأخروي، وربط الناشئة بما عند الله، فما عند الله خير وأبقى من عظيم الأجر وجزيل الثواب، وهذا يتناسب مع كبار الناشئة قبل صغارها.
يجب مع ذلك -على الكبار- العناية بالألفاظ، وأسلوب الخطاب، وترك الفظاظة والغلظة، مع مراعاة حسن الهيئة من الملامح المبتسمة، والقسمات المبتهجة، في أريحية وطلاقة وجه، فيكسب القلوب، ويملك المشاعر، ولا يسع الناس إلا طلاقة الوجه وبسط المحيا، وتبسمك في وجه أخيك صدقة.
ينبغي أن يسود في التربية احترام الكبير، ورحمة الصغير، وحفظ الحقوق، واحترام الممتلكات العامة والخاصة، والعطف على المحتاج، ورعاية المريض والعاجز، والرفق بالحيوان، والتنظف والتجمل، والشجاعة في القول، والرأي والعمل، و {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير}.
أيها الإخوة: إنها التربية المتكاملة المتوازنة، تعصم بإذن الله من النزوات النفسية، وتحمي من سلطان الميول الجامحة، والأهواء المؤذية، وتنير للناشئة طريق الهدى والصلاح، فتقوم الحياة والعلاقات على الحب والطاعة والتعاون والمناصحة، وتنطبع النفوس على جميل الخصال وتدفع بالسلوك إلى أنبل الفعال، سدد الله الخطا وبارك في الجهود وأصلح الأنفس والنيات والذريات، إنه سميع مجيب الدعوات.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم جل في علاه، فقال عز من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وجميع أعداء الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لتوفيقك، وأيده بتأييدك، وأعلِ به كلمتك، وانصر به دينك، ووفقه لما تحبه وترضاه، وأصلح له بطانته، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك، لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي كوسوفا، وفي كشمير، وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم سددهم وأيدهم، اللهم أنزل سخطك ومقتك على اليهود الغاصبين، والصرب الظالمين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل كيدهم في نحورهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.