أما السنة: فإن بِعثةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسالتَه وسيرتَه مِن أولِها إلى آخرِها، مكيها ومدنيها، حضرِها وسفرِها، سِلمِها وحربِها، كلُّها في التوحيد، منذ أن أُمِرَ بالإنذار المطلق في سورة المدثر:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:٥] إلى الأمر بإنذار العشيرة الأقربين: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}[الشعراء:٢١٣]{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:٢١٤] إلى الأمر بالصدع بالدعوة: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الحجر:٩٤].
ثم من بعده الأمر بالهجرة:{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠] والإذن بالقتال والجهاد: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}[الحج:٤٠] إلى فتح مكة حين كسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأصنام بيديه، وتلا:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}[الإسراء:٨١] إلى الإعلام بدنو الحِمام: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر:٣].
لم تخلُ فترة من هذه الفترات البتة من إعلان التوحيد وشواهده، ومحاربة الشرك وظواهره، ويكاد ينحصر عرض البعثة كلها في ذلك، فما ترك عليه الصلاة والسلام تقرير التوحيد وهو وحيد، ولا ذهل عنه وهو محصور في الشعب، ولا انصرف عنه وهو في مسالك الهجرة والعدو مشتد في طلبه، ولا قطع الحديث عنه وأمرُه ظاهر في المدينة بين أنصاره وأعوانه، ولا أغلق باب الخوض فيه بعد فتح مكة الفتح المبين، ولا اكتفى بطلب البيعة على القتال عن تكرار عرض البيعة على التوحيد ونبذ الشرك، فهذه سيرته المدونة وأحاديثه الصحيحة، والقرآن من وراء ذلك كله.
من أجل هذا كان التوحيد أولاً، ولا بد أن يكون أولاً في كل عصر وفي كل مصر.