[المستقبل للإسلام]
الحمد لله وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة! رغم مظاهر القساوة والعتاوة التي توحي بها مشاهد الحاضر المهزوم، والمستقبل الغامض المأزوم، ورغم تكدُّس معالم الفشل في كثيرٍ من الأنحاء، وفي ظل الانحراف الفكري المنهزم رغم كل هذا فإن المسلم المتعلق بربه، المؤمن بوعيده ووعده، والمتبصر بالسنن ونواميس الكون، يرى من وراء ذلك كله فتحاً قريباً، وليس هذا تحدثاً من سياسة قاصرة، ولا من منطق وهمٍ زائل، ولا هو من معطيات واقع مرير، ولكنها روح الأمل الدافع، والفأل الدافق الذي تغرسه في أهل الإسلام حقائق الوحي، وهداية النبوة المحمدية الخاتمة، وشواهد التاريخ فلن تضيع بإذن الله قدسنا، ولا فلسطيننا، ولن تضيع قضايانا، ولن تضيع قضايا وراءها مسلمون مؤمنون.
إن القرآن الكريم والسنة المطهرة والتاريخ المحفوظ، يحدثوننا وينبئوننا أن أمة الإسلام أمةٌ متجددة وعودة، كالغيث لا يدرى الخير في أولِّه أو في آخره، إنها أمة غير منقطعة بل متصلة مستمرة بإذن الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى} فلا تضعف في جانب إلا وتقوى في جانب، ولا تنهزم في ناحية إلا وتنتصر في أخرى، واستقراء التاريخ يؤيد ذلك؛ من خلافة الراشدة، ثم دولة أموية وعباسية، وبعدها دول، من بعدها دول والهجوم على ديار الإسلام، ويقيض الله له من يرده على أعقابه من التتار والصليبيين، وظهر الغزنويون في الهند وأفغانستان، واستعصت القسطنطينية على الأمويين، ولكنها فتحت للعثمانيين بعدما يزيد على سبعة قرون، فتحققت بشارة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحينما خرج المسلمون من الأندلس كان الإسلام قد توغل في أقطار أفريقيا، وشرق أوروبا، وفي جنوب شرق آسيا، وفي جزر أندونيسيا.
عباد الله: هذا هو التاريخ، وهذه دروسه، وتلك هي سنن الله في الغابرين والحاضرين، فأبشروا وأملوا، وبدينكم فاستمسكوا، وربكم غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ثم صلوا وسلموا على نبي الرحمة والملحمة، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عزَّ قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الملة وجميع أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم، يا قوي يا عزيز!
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.