[من منهج أهل السنة ضبط العلاقة بين التوكل والأسباب]
وهناك قضية مهمة جداً في بيان هذا المنهج هي: قضية ضبط العلاقة بين التوكل والأسباب:-
تنبع هذه القضية من صفاء المنهج وصفاء العقيدة، وهي أنه لا تختلط عليه ما يتعلق بالإيمان بالله عزَّ وجلَّ، والإيمان بقضائه وقدره، والتوكل عليه، وتسليم الأمر له، وأنه سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا خافض لما رفع، ولا رافع لما خفض، هذه كلها قضايا راسخة في قلب المؤمن، وهذا لا يعني إنكار الأسباب، فالمؤمن الحق يعلم أن الله سبحانه وتعالى وضع في هذه الدنيا سنناً، وأن هذه السنن إذا أخذ بها العبد بإذن الله، فإنها تنتج آثارها، فيأخذ بالسبب، ويقوم بمهمة الاستخلاف؛ لأن الله سبحانه وتعالى استخلفه في هذه الأرض ليعمرها {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[هود:٦١] فهو يربط بين الأسباب، فيأخذ بها، ويحتاط لنفسه، وبين الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، بمعنى أن السبب إذا لم ينتج، فإنه لا ينتكس،؛ لأنه يعلم أن من وراء الأسباب رب الأرباب، ولهذا يكون على عقيدة مطمئنة، يأخذ بالسبب، فإنه إذا تزوج، والزواج سبب للإنجاب بإذن الله، فإذا لم يأته ولدٌ، رضي وسلَّم، فهو قد أخذ بالسبب، لكنه لم يضطرب، ولم ينتكس حينما لم ينتج السبب؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى من وراء الأسباب، وأن الكون كونه، والتدبير تدبيره سبحانه وتعالى.
إذاً هناك ربطٌ وثيقٌ وضبطٌ بين التوكل على الله سبحانه وتعالى والأخذ بالأسباب، وهذا لا يحتاج إلى توقف كثير.
نأتي إلى قضية الوسطية، مع أن ما سبق كله إشارة للوسطية، فكل ما سبق من مبادئ ومعالم هي لا شك أنها وسط خاصة في مقابل الفرق المخالفة سواء أكانت من غير المسلمين، أو من الفرق المنتسبة إلى الإسلام.