أيها المسلون: أيها المخلصون: إن وجود وافدين -مهما كان عددهم، ومهما كانت الحاجة إليهم، بل مهما كان مستواهم العلمي والفني- لا يجوز أن يكون سبيلاً للتفريط في السيادة على أرضنا.
وقد علم العقلاء والاجتماعيون -فضلاً عن العلماء والمربين- أن اللغة من أهم مظاهر السيادة، وكم تمزقت بلاد حين تعددت لغاتها، بل لقد ظهرت مبادئ انشقاقٍ وطني في بعض الشعوب، وتصدعت صفوفها، وتسببت في إثارة الفتن والنعرات من أبناء البلد الواحد، مما تشاهد آثاره المدمرة ماثلة أمام العيان والأعداء لنارها يوقدون.
إن من الغفلة الشنيعة الزعم بأن مصلحة السوق ودواعي الاستثمار تتطلب لغة أجنبية، فكل بلاد العالم -ولا سيما المتصدرة منها قائمة التقدمية- لا يمكن أن تؤثر شيئاً على لغتها مهما كانت الأسباب والدواعي والدوافع أما كان الأجدر بهؤلاء -إن كانوا وطنيين مخلصين- أن يجعلوا التحدث بلغتنا شرطاً في العمالة الوافدة بدلاً من إجبار أبنائنا أن يتحدثوا لغة أجنبية من أجل هؤلاء الوافدين؟! إن هذا -والله- لانتكاسة عجيبة.
وبعد: أيها الإخوة! وفي محاسبة جادة، ومساءلة صادقة: إن كثيراً من الشعوب الموصوفة بالنامية قد انزلقت في تعليم أو تعميم اللغة الأجنبية في أبنائها، فماذا أفادت؟ وماذا استفادت؟ هل خرجت من فوق النامية هذه؟
إن أعداءكم اليهود قد أحيوا لغة لهم مندثرة، لا حضارة لها ولا تاريخ؛ فأصبحت هي لغة العلم والأدب والحياة، إن أي أمة تروم التقدم والقوة والعزة والاعتماد بعد الله على نفسها؛ لا يمكن أن تمتلك زمام العلم والتقنية إلا حين تعلم ذلك كلها بلغتها.