للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منزلة الغيرة على الأعراض]

أيها الأحبة الغيورون: كل امرئ عاقل، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً، لا يرتع فيه اللامزون، ولا يدوس حماه العابثون.

إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها، أو تناله ببذيء ألفاظها، نعم! ويصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضاً.

بل لا يقف الحد عند هذا، فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته، ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته، فيهون على الكرام أن تُصاب الأجسام لتسلم العقول والأعراض، وقد بلغ دينكم في ذلك الغاية حين أعلن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: {من قُتِلَ دون عرضه فهو شهيد}.

أيها الإخوة والأخوات: بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين، وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات بهيمية.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: " إذا رحلت الغيرة من القلب، ترحل الدين كله ".

ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس غيرةً على أعراضهم، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لأصحابه: {إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه، يشهد أربعاً، فقام سعد بن معاذ متأثراً، فقال: يا رسول الله! أأدخل على أهلي، فأجد ما يريبني فأنتظر حتى أشهد أربعاً!! لا والذي بعثك بالحق إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحن بالرأس عن الجسد، ولأضربن بالسيف غير مصفح، وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء، فقال عليه الصلاة والسلام: أتعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل ذلك حرَّم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن إلى آخر الحديث} وأصل الحديث في الصحيحين.