للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من إيجابيات الزواج المبكر]

ومعلوم أن الإسلام يتمشى مع الفطرة، والإنسان عادة إذا بلغ صار له ميل إلى الزواج إذا كان إنساناً طبيعياً وسوياً.

إذاً نقول: الذي يبدو أن الزواج المبكر فيه خير كبير، وإيجابيات تضمحل معها السلبيات إن وجدت، لماذا؟

لأن الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية في التفكير، والشعور التام بالمسئولية، وأنتم تلاحظون في آبائنا إلى أمد قريب -قبل ثلاثين سنة- كان أغلب الناس يتزوجون في السابعة عشرة والثامنة عشرة، فتجده قبل أن يتزوج غير مستقر، فإذا تزوج استحى؛ لأنه صار رجلاً، يعيش عيشة الرجال، ويشعر أنه قد اكتملت رجولته، وأنه لا يجوز له أن يمارس ما كان يمارسه حينما كان عازباً، وهذا أمر معروف.

ولهذا نقول: الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية، فبدل أن كان المرء خيالياً تجده بعد الزواج قد صار واقعياً، يعرف قيمة الريال، ويعرف قيمة الوقت، ويعرف أنه محاسب، وهذا شيء جميل.

وأنتم تلاحظون أولادكم، يكاد الواحد يبلغ ثلاثين سنة ولكنه صغير، مادام أنه يدرس في الجامعة، ولم يتزوج، ولو تزوج وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم أصبح عنده ولد، فإنك تجده يستحي، فقد أصبح رجلاً، بينما يمكن أن يصل إلى الثامنة والعشرين من عمره وهو في المرحلة الجامعية -مرحلة دراسات عليا- ولكنك تراه صغيراً، وهو يرى نفسه أنه عالة، ولا يشعر بالمسئولية، حتى الموظف المتزوج تجده -غالباً- يشعر بالمسئولية أكثر من الموظف العازب.

ولهذا نقول: الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية في التفكير، والشعور التام بالمسئولية؛ فلا يجنح به خيال، ولا يشق به تفكير، غير أن الناس كلما تقدم بهم عصر طالت في تقديرهم فترة المراهقة، ويصير الشخص اليوم ابن ثماني عشرة سنة أو عشرين ويقولون: هذا حدث من الأحداث، فإذا قبضت عليه الشرطة، قالوا: هذا حدث، بينما لو كان متزوجاً وقال لهم: أنا عمري ثماني عشرة سنة ومتزوج لحاسبوه حساباً عسيراً، وإذا كان في أربع وعشرين سنة ولم يتزوج لقالوا: ما زال من الشباب، وتعتبر هذه جنحة كما يسمونها في القانون، غير أن الناس كلما تقدم بهم عصر في هذه المدنية طالت في تقديرهم فترة المراهقة، حتى أصبح من بلغ خمساً وعشرين سنة أو أكثر من ذلك يعد مراهقاً، وإن كان طبعاً هذا قد يكون فيه نوع من التصوير التقريبي، وفي هذا إرهاق كبير، وهو لا يزيد المربيين إلا إرهاقاً ورهقاً، والله أحكم الحاكمين.

حينما خلق الله الإنسان وهو أعلم بمن خلق، ربطت شريعته حد التكليف بالاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة، فإذا بلغها الرجل حوسب محاسبة الرجال، وكذلك المرأة إذا بلغت خمس عشرة سنة أو حاضت.

لا شك أنها هي السن التي يصبح الإنسان فيها مكتملاً، قادراً على تحمل المسئولية، والتكاليف الشرعية والاجتماعية، وأظن القارئ والمستمع ومن يسمع الآن أو يسمع فيما بعد، ومن يقرأ يشارك في أن نسب الطلاق في المجتمعات المتقدمة أعلى منها في الأمم المحافظة، وكلما دخلت أمة في المعاصرة ارتفعت نسبة الطلاق والخلافات الزوجية.

إذاً: فالقضية ليست قضية مادية، أو قضية تأمين مستقبل، بل القضية قضية استقرار، وقضية استيعاب لمسألة البيت والأسرة، ومسألة الزواج، وليست هي قضية زواج مبكر وزواج غير مبكر.

وأقصد بالأمة المحافظة أي: محافظةً دينيةً، وليست عادات جاهلية، ولا تقاليد بائدة بعيدة عن الإسلام، فهذه لا ميزان لها، إنما المحافظة التي تعني التدين والاستقامة، وتعني القيام بالمسئولية على وجهها، فهذه إذا وجدت قلت نسبة الطلاق.

إذاً: نحب أن نؤكد هنا أنه لا ينبغي أن يعطى الجانب المادي أكثر مما يستحق في تقرير الزواج من عدمه، وقد قال الله عز وجل: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢] هذه آية حاسمة في أن الفقر لا يجوز أن يكون مانعاً لنا أن نزوج من يأتينا؛ ممن يُرضى دينه وأمانته وخلقه لما سبق ذكره.

إذاً: هذه قضية تتعلق ببعض مشكلات الزواج سواءً في المهر، أو الزواج المبكر، وما استتبع ذلك من كلامنا استطراداً على البيت والأسرة.