[من منهج أهل السنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
كذلك ومن منهجهم أيضاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي قضية مهمة جداً في الدين، فهناك بعض الفرق السابقة تقول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن إما بطريقة خارجة عن سلطة الأئمة وولاة الأمور، أو غير ذلك، لكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجٌ من منهاج أهل السنة والجماعة، وليس الحديث طبعاً عن الإفاضة في دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحفاظ على الدين، والحفاظ على الأمة؛ لكن يكفي أن نقارن بين آيتين:
الآية الأولى: في حق المنافقين، قول الله عزَّ وجلَّ:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[التوبة:٦٧].
وبالمقارنة بين هاتين الآيتين يتبين الفرق الكبير، والمقصود فعلاً بحياة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجاً.
الآية الأولى:{}[التوبة:٦٧](مِنْ) هنا جنسية، يعني كما تقول: هذا مِن هذا، أو هذا البيض مِن هذا البيض، بمعنى: هم متجانسون في الطباع، كأنك تقول: هذا من هذا {}[التوبة:٦٧] جنس واحد، كما تقول العامة أحياناً في بعض الأقاليم: البيض الفاسد يتدحرج مع بعضه، هذه معنى {مِنْ بَعْضٍِ}[التوبة:٦٧] أجناس مِن بعض.
أما أهل الإيمان، فـ {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:٧١] بمعنى أن بينهم نصرة، بينما المنافقين لا نصرة بينهم، لأن أصلَ النفاق تَلَوُّنٌ، والنفاق سَيْر على حسب المصالح لا على حسب المصلحة الحقيقية ولا على حسب الحق، وإنما على حسب الهوى، ولهذا فإن المنافق يسير على هواه، أو على هوى مَن يخافه، فمن هنا كان بعضهم من بعض.
أما أهل الإيمان المؤمنون {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:٧١] متناصرون، فما هي مظاهر النصرة؟
ليست المجاملة، ولا النفاق، وإنما:{يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة:٧١] مع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو أقيم على وجهه فإنه ثقيل، لكن نظراً لأن الذين بينهم ولاء، ونصرة وتعاقد على الحق كان مظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاشياً، بل مسلكاً مِن مسالكهم، لأنك لو تأملتَ في طبائع النفوس، فإن الأمر بالمعروف شاق، والنهي عن المنكر كذلك شاق، فإذا رأيت أخاك على منكر، ثم نهيته عنه، فإن هذا ثقيل على النفس؛ لكن لِمَا وقر في النفس من إيمان، وفي القلب من يقين والتزام أصبح هذا منهجاً ومقبولاً، بل أصبح هذا هو مظهر من مظاهر المؤمنين:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة:٧١].