[الوقت وأهميته]
الحمد لله واهب النعم، ومؤتي الحكم، جعل في كر الأيام معتبراً، وفي تقلب الزمان مزدجراً.
أحمده سبحانه وأشكره، يقلب الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله قدوة الحنفاء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آل بيته وأهل صحبته وأنصار دعوته، ما رقت القلوب، وراقبت ربها علام الغيوب، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:-
فأوصيكم -أيها المسلمون- بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، وأقلوا الركون إلى الدنيا، فإن ما أمامكم عقبة كئود، ومنازل مخوفة لا بد من ورودها والوقوف عندها.
فالمنية دانية، وأظفارها ناشبة، واحذروا التسويف وطول الأمل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٩٧].
أيها الإخوة المسلمون: للزمن -بإذن الله- دوره في الفعل الحضاري، والإسلام قد أمر بالتفكر والتدبر والاعتبار والتفكر، والنظر في المآلات وتقدير العواقب، من خلال رؤية واسعة تستصحب الزمن بأبعاده كلها، الماضي منه والحاضر والمستقبل، عرف المسلم قيمة الزمن، بعد أن كان قبل الإسلام متخاذلاً سلبياً، كما جاء في الآية الكريمة: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [الجاثية:٢٤] فجاء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، داعياً ومبلغاً ومحذراً: {اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك}.
وقائلاً: {لا تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه}.
لقد أدخل الإسلام الزمن في حساب المسلم ومسئوليته، من خلال ربط الأحكام بتعاقب الليل والنهار، وحركة الشمس والقمر، فالصلاة كتاب موقوت، والزكاة في الحول ويوم الحصاد.
وللصوم هلاله ورؤيته، وللحج مواقيته وأهلته، فأي تساهل أو تفريط في هذه المواقيت يُفوَّت الثواب، ويعرض للعقاب، ناهيك بالأزمنة الخاصة الفاضلة في ثوابها وبركاتها، ومزيد العمل الصالح فيها، كيوم الجمعة، ويوم عرفة، وعشر ذي الحجة، والإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وأيام البيض.
بل لقد صحح الإسلام النظر إلى الكواكب في مساراتها، والأفلاك في جريانها؛ فطهر العقول من لوثات الخرافات، والتعلق بالبروج والأنواء تطيراً وتشاؤماً.
فالشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، والنجوم والكواكب زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، و {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس:٥].