نأتي إلى قضية وهي قضية الخوف من الشرك، ولا نقف عندها طويلاً وإن كانت تستحق؛ لأننا سننتقل بعدها إلى قضية التوحيد وتعريفه الخ.
قضية الخوف من الشرك تتجلى في مثل قوله تعالى:{يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:٥٥] وتتجلى في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[الأنعام:١٥١] ولابد أن نتأمل هذه الآية في سياقها ماذا نفت وماذا أثبتت.
والآية الأخرى في سورة النساء يقول تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[النساء:٣٦] وهنا قال: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:٥٥] فعندنا هنا نفي (لا يشركون) ونكرة (شيئاً) والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، كما يقول الأصوليون والبلاغيون.
وقوله تعالى:{لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:٥٥] هناك تقديران، وكلاهما صحيح، بل قد نقول: كلاهما مقصود، وكلاهما مقدر، الأول:{لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:٥٥] من الأشياء لا حجر، ولا ملك، ولا شمس، ولا أي شيء، مهما عظم ومهما صغر.
إذاً: هذا نفي لأي ذرة من الشرك، أو من الأشياء التي يمكن أو يتصور أن تصرف لغير الله وهي محض حق الله تعالى.
التقدير الثاني: لا يشركون بي أي نوع من أنواع الشرك، ولا أي شيء من الأشياء المعبودة، فقد نفى أي شيء من الشرك، ونفى أي شيء من الأشياء المعبودة فالقضية دقيقة يا إخوان، بدليل أن الله عز وجل قال:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:١٠٦].
ولو قارنت بين هاتين الآيتين لتبين لك عظم الأمر، فخصائص الطلب الإلهي:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[النساء:٣٦]{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}[الأنعام:١٥١] وخصائص المؤمنين: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}[النور:٥٥] لا شيئاً من الأشياء المعبودة، ولا شيئاً من أنواع الشرك، فالمنفي هو الأمران لا شيئاً من المعبودات مهما صغرت، ولو كان ذباباً أو أقل من ذباب أو ذرة، ولهذا نفى الله عز وجل في الآية التي تقطع نياط القلب عن سائر المعبودات من دونه امتلاك مثقال ذرة فقال:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ}[سبأ:٢٢] نفى الله عز وجل عن المعبودات من دونه أنها تملك أي شيء ولو كان مثقال ذرة.
فحق على المؤمن ألا يرد على خاطره وقلبه أي شيء من الأشياء، ولا أي شرك من التعلقات، فالقضية دقيقة جداً.
يقول ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:٨٨] يقول: فيه تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسته.