[أوصاف عباد الله الصالحين]
أيها الإخوة: هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:١٧ - ١٩] يصلون بالليل والناس نيام، يصومون وغيرهم يأكل، وينفقون وغيرهم يبخل، ويجاهدون وغيرهم يتقاعس ويجبن، أولئك هم عباد الله، حفظوا وصية الله، ورعوا عهد الله وميثاقه، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:٢٨] استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً} [الرعد:٢٢] في السراء والضراء: {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:٦٠] {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى:٣٧] {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢] {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:٣ - ٦] {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:٨] طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر، واستعدوا من الزاد لما يكفي لطويل السفر عبراتهم تجري وفي قلوبهم معتبر.
كثر استغفارهم فحطت خطاياهم، وكلما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم! إنهم عباد الله المخلصون، فيهم الشهيد المحتسب، والعفيف المتعفف، والسلطان المقسط، والضعيف المتضعف المتواضع ذو الطمرين، مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
أقوامٌ يقطرون نزاهةً، أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله، فيهم: صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي.
فيهم: تارك المراء ولو كان محقاً، وتارك الكذب ولو كان مازحاً، وبيت في الجنة لمن حسن خلقه؛ يكظم الغيظ، ويعفو عن الناس والله يحب المحسنين.
فيهم: من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠].
جنة ربي: {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:٣٢ - ٣٣] عيونٌ تبكي من خشية الله، وعيونٌ تحرس في سبيل الله، يخافون من ربهم {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:١٠ - ١٢].
الله أكبر! أهل الجنان والغرفات: أقوامٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:٤٣].
ألا هل من مشمر إلى الجنة يا عباد الله؟
قولوا كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن المشمرون إن شاء الله.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقربنا إليها من قول وعمل، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عينٍ لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، استجب اللهم يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.