من غير المنكور توجه هذه البلاد وهي الحاكمة بشرع الله إلى السير على هدي رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم حين أنشأت دُور الرعاية الاجتماعية، ووضعت نظماً تحفظ لهؤلاء حقوقهم، وتعترف بجميلهم، وتقدر لهم خبرتهم كأنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي، وإن كنا نؤكد أنها أنظمة تحتاج إلى إعادة نظر وتطوير، كشأن أي نظام تمر عليه فترة من الزمن.
وإذا رجعنا إلى هذه الأنظمة -التقاعد والتأمين، والضمان الاجتماعي- نلاحظ أنها تهتم بجانبٍ، وهو جانب الحاجة أو الإشباع المادي إن صح التعبير، ولكن النظرة التطورية التي أشرتُ إليها أيضاً تستدعي المتأمل والمهتم أن يعيد النظر في هؤلاء الكبار ليدرك أنهم -وبفضل الله أولاً، ثم بفضل التطور الصحي التي تشهده البلاد- أصبح أحدهم يعيش فترة طويلة من حياته، وهو يتمتع بصحة جيدة، وبقوى بدنية ممتازة.
إذاً: هو يحتاج إلى رعاية من نوع آخر، فهو ليس بحاجة إلى نوع من الخدمات السابقة، وإنما هو محتاجٌ إلى رعاية تنتشله من عزلته، وتشعره بكيانه، وتعترف له بسابق فضله، وتؤمن ببقاء الحاجة إليه.
وهذا نوع متطور من الرعاية، فهي رعاية تهتم به في نواحيه النفسية والشخصية، تمنعه من الوحدة والانعزال، وتملأ عليه وقته بطريقة علمية مفيدة من غير إحساسٍ بشفقة خاصة أو استضعافٍ أو مِنَّة.
وإن العمل الخيري مما يتجسد شامخاً في هذه البلاد وأهلها وقيادتها بفضل الله ومَنِّه.