[حقيقة الزينة في الإسلام]
الحمد لله المتفرد بالعزة والجلال، والمتنزه عن الأنداد والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره فهو جميل يحب الجمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، جاء بالشريعة السمحة، ورفع عنا ربه ببعثته الآصار والأغلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان في الأقوال والأعمال.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الأناقة من غير سرف، والتجمل من غير تكلف من آداب الإسلام وتوجيهاته، إنه الإسلام الذي ينشد لبنيه علو المنزلة، وجمال الهيئة ليكونوا في الناس كالشامة البيضاء، غير أنه ليس من الإسلام الركض إلى أسباب الزينة بغير عنان، وملء اليد منها بغير ميزان.
إن من يطلق يده في الإنفاق في الزينة ولذائذ النفس ويتجاوز بالإنفاق المعتاد من أمثاله يقل نصيبه من البذل في وجوه الخير؛ ذلك أن النفوس المبتلاة بحب الزينة المفرطة، ولذائذ الأجسام المغالى فيها لا تقف عند حد، وكلما أدركت منزلة تشوفت إلى ما فوقها كما جاء في الخبر الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: {إن هذا المال حلو، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع} وسأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: [[ما ألبس من الثياب؟ قال: مالا يزدريك به السفهاء ولا يعيبك به الحكماء]].
إذا كان الأمر كذلك -أيها الإخوة- فليس من زينة الرجال حلق اللحى، ولبس الحرير، والتختم بالذهب، وإسبال الثياب، فما أسفل من الكعبين ففي النار.
وليس من المقبول تبرج النساء بزينة: {كاسيات عاريات، مائلات مميلات} وفي الجملة فإن السلف كانوا يكرهون الشهرة من الثياب، العالي منها والمنخفض؛ وثوب الشهرة العالي: ما قصد به الاختيال والتعالي والفخر والمباهاة، والمنخفض: ما قصد إلى الرديء والمبتذل مع القدرة على ما هو خيرٌ منه امتناعاً عما أباح الله بزعم التزهد والتعبد، ودين الله الوسط، والرفيع من اللباس ممدوح إذا كان تجملاً وإظهاراً للنعمة.
وبعد أيها الإخوة: فحسب الناس من القذر الكدر هذا التدخين الذي ابتليت به طوائف من الناس، فيسيء هذا المبتلى ويؤذي بما ينفخ من دخان وينفث من رائحة تخنق الأنفاس وتفسد الأجواء وتلوث المجالس، وهو بلاء ماحق في المكاتب والمتاجر والمراكز، وإنه لشاهدٌ على أن الفرد والأمة حين تبتعد عن آثار النبوة تفقد الأدب الرفيع والذوق السليم، والإحساس الرقيق والتصرف المهذب.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله والزموا هدي نبيكم، واسلكوا مسلك العدل والوسط، ثم صلوا وسلموا على صاحب الخلق الأكمل والأدب الأرفع والريح الأطيب، نبيكم محمدٍ رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وكل أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعل به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين بالعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.