[موقف الإسلام من جريمة الزنا]
أيها الإخوة: الإسلام يقف من هذه الجريمة موقف حزم وحسم وصراحة وصرامة، إنه يمتدح الشهم الكريم الذي يغار على نفسه، ويغار على حرماته، ويندد بالديوث الذي يقر الخبث في أهله، لتبقى الأعراض مصونة، والشرف موفوراً عزيزاً، لقد اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٣].
الزنا محرم بقواطع الأدلة من محكم القرآن وصحيح السنة وإجماع أهل الملة، بل إجماع أهل الملل، إنه قرين لأعظم موبقتين: الشرك بالله، وقتل النفس: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:٦٨ - ٧٠].
يقول الإمام أحمد: لا أعلم من القتل ذنباً أعظم من الزنا، والله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله نهى عن قربه والدنو منه مما يعني البعد عن بواعثه ومقدماته ودواعيه ومثيراته، فقال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢].
قال أهل العلم: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢]: هذا قبح شرعي.
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:٣٢]: وهذا قبح عقلي.
{وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢]: وهذا قبح عادي.
قالوا: وما جمع ذنب هذه الوجوه من القبح إلا وقد بلغ الغاية فيها.
أيها الإخوة: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} بهذا صح الخبر عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، زاد النسائي في رواية: {فإذا فعل ذلك خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه} وفي رواية البزار: {والإيمان أكرم على الله من ذلك}.
وفي خبر عند أبي داود والترمذي والبيهقي: {إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظُلَّة على رأسه، ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان}.
وفي صحيح البخاري في حديث المنام الطويل، وفيه: {أنه عليه الصلاة والسلام جاءه جبريل وميكائيل عليهما السلام، قال: فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك ضوضوا -أي: صاحوا من شدة الحر- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني، فهذا عذابهم إلى يوم القيامة}.
وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عيسى عليه السلام: [[لا يكون البطالون حكماء، ولا يرد الزناة ملكوت السماء، وفي جهنم نهر يقال له: نهر الغوطة، يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن]].
وأخرج الخرائطي وغيره مرفوعاً: {المقيم على الزنا كعابد وثن} قال أهل العلم: ويؤيده ما صح من أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، قالوا: ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر.