[الحج صورة مصغرة لوحدة المسلمين]
الحمد لله الذي هدانا إلى خير منهاج، وجعلنا على طريق مستقيم ليس فيه التباس ولا اعوجاج، أحمده سبحانه وأشكره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والسراج الوهاج، صلى الله وسلم وبارك عليه عدد ما تعبد متعبد وكلما أمَّ البيت حاج، وعلى آله وأصحابه والأزواج، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الحج -بلا مراء- مجسد للوحدة بين المسلمين، إن كل شعائره ومشاعره تدعو إلى الوحدة والتوحيد تلبيةً، ولباساً، وتنقلاً جماعياً بين المشاعر في مناسك موحدة، وحدة تتخطى حدود البيئة والجنس واللغة، إنه توكيد للوحدة الجامعة لكل من ينتسب لهذه الأمة المسلمة.
في الحج تحقيق منافع كبرى يشهدها المسلمون في مناسكهم، ويذكرون اسم الله عليها، منافع عظمى لا تقع تحت حصر، وتتجدد في كل عصر.
إن أمة الإسلام وهي تكتوي بلهيب الصراعات والنزاعات بحاجة إلى فقه الحج، والدخول في حرم الله وحرماته؛ لتتخلص نفوس أبنائها من الأنانية، والبغضاء، والكراهية، والشحناء.
أُخُوَّةُ الدين ورابطةُ الحرم تفرض التناصر بين المسلمين، لا تناصر عصبيات عمياء، ولكن تناصر المؤمنين الصالحين المصلحين بإحقاق الحق وإبطال الباطل ورد عدوان المعتدين.
وإن مِن منغصات هذا العصر وبذور الشقاق فيه بين المسلمين مصطلح (السياسة والأنشطة السياسية)، هذا المصطلح العابث الغامض المتلون.
وبادئ ذي بدء: فإن من المرفوض التفريق بين الدين والسياسة، فالسياسة الصالحة من الدين، والدين يحتضن السياسة ويُصْلِحها؛ ولكن السياسة في مصطلحها المعاصر المائع غير المنضبط -والمتبصر يدرك ذلك- تأخذ ألواناً من المفاهيم في عبث وتلوُّن وتقلب لا يقره فقه صحيح، ولا يقبله كريمٌ متزن.
لقد جعل بعض الناس من مفهوم السياسة العابث ووسواسها سبيلاً للمجاهرة بمهاترات كلامية، وهتافات بشعارات فئوية، وإحياء لنعرات جاهلية، بل إن فيها دعايات مبطَّنة لأشخاص واتجاهات، بل رفع صور لرؤساء وزعامات.
إن رجل العلم والفقه يخشى أن يشبه هذا أعمال الجاهلية الأولى الذين جعلوا من حجهم مواسم للمفاخرة وتعداد الأمجاد والغارات والثارات.
ومع الأسف! فإن هذا من وساوس هذه السياسات المتلونة، وأوهام تلك الدعوات المتقلبة.
بل إن منها سياسات ظالمة جائرة، تَحمل صاحبها على اقتراف المظالِم، والجرأة على الإلحاد في الحرم، وانتهاك حرمة المقدسات.
إن هذا شيء يجب أن يترفع عنه أهل الإسلام، وينبغي أن يُفَرَّق بين هذا وبين التوجه الصحيح في إفادة هذه الجموع الهائلة والحشود المتكاثرة، واستغلال المناسبة الاستغلال الصحيح لإيصال النافع لهذه الأمة وهذه الجموع، وتأكيد عقيدة التوحيد، ورباط الوحدة، والتذكير بفرائض الإسلام وحرمات المسلمين في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وحفظ حقوقهم والدفاع عن قضاياهم.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واستمسكوا بدينكم، واعتصموا بعروته الوثقى وحبله المتين، وافقهوا الأحكام، واعملوا بالسنن.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والملحمة، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عزَّ قائلاً عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وكل مَن خذل الدين.
اللهم وَلِّ علينا خيارنا، واكفِنا شر أشرارنا، اللهم واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفِّقه لما تحب وترضى، اللهم أيده بتأييدك، وأعزه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رُشد يُعَزُّ فيه أهل طاعتك ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك.
اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين والشيشان، وفي كشمير والفلبين، وفي كل مكان.
اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً ومعيناً وظهيراً، اللهم سدد سهامهم وآراءهم واجعل الدائرة على أعدائهم.
اللهم واجمع كلمة إخواننا في أفغانستان والصومال، وأرِهم الحق حقاً، وأصلح ذات بينهم، وأرِهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه إنك سميع الدعاء.
ربنا ظلنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.