الحمد لله مصرف الأوقات، وميسر الأقوات، فاطر الأرض والسماوات، أحمده سبحانه وأشكره؛ والى علينا نعمه وإحسانه، فهو أهل الفضل والمكرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلقنا لعبادته، ويسر لنا سبل الطاعات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، جاء بالحنيفية السمحة ويسير التشريعات، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أفضل المخلوقات، وأكرم البريات، وعلى آله السادات، وأصحابه ذوي المقامات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا الغفلة؛ فإن الموت على جميع الخلائق قد كتب، والحساب عليهم قد وجب تشيعون الأموات وتودعونهم قبورهم، وتأكلون تراثهم وكأنكم مخلدون بعدهم خذوا بالمواعظ، وتيقظوا للحوادث إن بعد العز ذلاً، وبعد الحياة موتاً، وبعد الدنيا أخرى، وإن لكل شيءٍ حساباً، ولكل أجلٍ كتاباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً فاستعدوا لملمات الممات، واستدركوا هفوات الفوات {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:٢١].
أيها المسلمون: شريعة الإسلام خاتمة الشرائع، أنزلها الله للناس كافة في مشارق أرض الله ومغاربها، للذكر والأنثى، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والمريض، ومن أجل هذا جاءت بفضل الله ولطفه وحكمته ميسوراً فهمها، سهلاً العمل بها، تسع الناس أجمعين، ويطيقها كل المكلفين.
دين الإسلام رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدة، ويسرٌ من غير عسر، ورفعٌ للحرج عن الأمة والتيسير مقصد من مقاصد هذا الدين، وصفة عامة للشريعة في أحكامها وعقائدها، وأخلاقها ومعاملاتها، وأصولها وفروعها؛ فربنا بمنه وكرمه لم يكلف عباده بالمشاق، ولم يردعنا كالناس، بل أنزل دينه على قصد الرفق والتيسير.