والعمل الصالح أيها الإخوة المسلمون! لا بد فيه من الإخلاص، فإن من أشد المفسدات ومانعات القبول ومبعدات التوفيق عدم الإخلاص، والإشراك في النية والمقاصد، وفي الحديث:{إياكم وشرك السرائر، يقوم رجل فيصلي فيزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر رجل إليه فذلك شرك الصغائر} رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وإذا كان الرياء هو العمل لأجل الناس، فإن هناك نوعاً خطيراً ذلك هو العمل لأجل النفس وحظوظها، لا لأجل الله وابتغاء مرضاته والأمل فيما عنده، إن من عدم التوفيق أن يعمل العبد ليرضي نفسه ويبتغي حظوظ دنياه، يصوم ويتصدق ويتزهد ويتورع لما يرجو من الدنيا وغايتها.
الإخلاص حفظك الله: أن يستوي حال الظاهر والباطن، فإن المخلص يعمل عمله لله سواء رآه الناس أو لم يروه، وسواء كان له حظ من حظوظ الدنيا أو لم يكن، فليس له توجه إلا لله، وليس له طمعٌ إلا في جنة الله، وليس له غاية إلا في رضوان الله، وليس له هربٌ إلا من سخط الله، وليس له حذر إلا من عذاب الله، المخلص لن يزيد عمله لأجل حظوظ عاجلة ولا ينقص بنقصها، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، إذا حضر لم يعرف وإذا غاب لم يثقل.
أيها المسلمون حجاج بيت الله! إن موضوع النيات ومعالجاتها موضوعٌ خطيرٌ ودقيق، هو أساس القبول والرد، وهو سبيل الفوز والخسران، يقول سفيان الثوري رحمه الله: ما عالجت شيئاً أشد من نيتي فإنها تنقلب عليَّ.
وعن يوسف بن أسباط: تخليص النية وفسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
وما أتي كثيرٌ من الناس إلا من ضياع نياتهم وضعف إخلاصهم.
الله الله في أنفسكم عباد الله، إن المطلوب في الأعمال الصالحة رعاية القلوب وإخلاصها؛ فبالإخلاص -بإذن الله- يورث القوة في الحق والصبر والمصابرة والمداومة، وبالإخلاص يتضاعف أجر العمل ويعظم وثوابه، بل الإخلاص يجعل المباحات طاعات وعبادات وقربات، ومن ثم تكون حياة العبد كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ}[الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].