إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه، فمن الحق ألا يُعطى هذا الحق لمن لا يستحق، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفواً.
من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل، وهذا ما يفعله كثيرٌ من المستشرقين، يظنون أنفسهم أنهم مدافعون عن الإسلام، ومن هنا جاءت الزلات من المستغربين حينما تبعوا آثار المستشرقين، ولهذا نقول: من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل، ومن الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق، وهذا قد يقع فيه بعض من يقع، ومن الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يدرك مسالك الباطل.
إذاً، فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة، والذي يجمع لك ذلك كله العلم، فلا بد من التأهيل العلمي للمحاور، ويقصد بذلك التأهيل العلمي المتخصص.
إن الجاهل بالشيء ليس كُفُؤاً للعالم به، ومن لا يعلم لا يجوز أن يجادل من يعلم، وقد قرر هذه الحقيقة إبراهيم عليه السلام في محاجته لأبيه حين قال بما حكى الله عنه:{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً) [مريم:٤٣].
وإن من البلاء أن يكون غير مختص ليعترض على مختص ويخطئه ويغلطه، وإن حق من لا يعلم أن يسأل ويتفهم لئلا يعترض ويجادل بغير علم، وقد قال موسى -عليه السلام- للعبد الصالح: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:٦٦] فالمستحسن من غير المختص أن يسأل ويستفسر ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصالح، وكثيرٌ من الحوارات غير المنتجة مردها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين، ولقد قال الشافعي رحمه الله: ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهلٌ إلا وغلبني.
وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم الذي يجري بين غير المتكافئين.