للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستفادة من الآخرين في أمور الدنيا]

الحمد لله خلق النفوس فألهمها فجورها وتقواها، وأرشدها إلى هداها، وحذرها من رداها، أحمده سبحانه وأشكره، شكر من عرف نعمه فرعاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رضيت به رباً وإلهاً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرفع الخلق قدراً، وأعظمهم جاهاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله! لقد أكمل الله هذا الدين ورضيه، وأتم به على المسلمين نعمته {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣]، فكانت هذه الأمة بالإسلام خير الأمم، ومن المعلوم قطعاً وجزماً أن هذه الخيرية نابعة من كمال دينها، وصفاء عقيدتها، ووفاء شريعتها، لا تكون العزة ولا يتحقق السمو إلا به، بل لا تكون النجاة في الدارين إلا بطريقه، والبشر محتاجون إليه حاجتهم إلى الغذاء والهواء، ومن كمال الدين واكتمال الصورة التفريق البين في ديننا بين منع المشابهة في العقائد والأحكام والأخلاق وبين مشروعية الإفادة مما عند الآخرين من علوم ومعارف وصناعات وأساليب تجارة، ووسائل تقانة، فهذا غير تشبه؛ لأن العلوم والصناعات ترجع -بإذن الله وتوفيقه- إلى الجهود البشرية البحتة من المعلومات والمعقولات والتجارب، كما أن باب البر والصلة، والإحسان والعدل شيء غير الموالاة والمودة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:٨] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

إن الإسلام لم يُحفظ كيانه، ولم يحتفظ بقوته إلا بالاستقلال في شريعته، وانفراده بأخلاقه ومبادئه، وبعده عن التشبه القائد إلى الذوبان، والمروق والانحلال.

ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واعرفوا فضل الله ومنته، وعظموا أمر دينكم، وقدروه قدره، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون.

ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أُمرتم بذلك في كتاب الله، فقال ربكم جل في علاه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضِ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وفضلك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذه بناصيته للبر والتقوى، وأيده بالحق وأيد الحق به، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة لأوليائك، وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك، لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، وأنزل عليهم نصراً من عندك، اللهم واخذل اليهود ومن شايعهم، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم.

اللهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب! اهزم اليهود واخذلهم، وزلزل الأرض من تحتهم، اللهم واجعل بأسهم بينهم فإنهم لا يعجزونك.

اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وعتوا في الأرض فساداً، وعتوا في عباد الله تقتيلاً وتنكيلاً وهدماً وتشريداً، اللهم عليك بهم، واكفناهم بما شئت يا رب العالمين.

اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والربى والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.