فالبصريون يتأولون ما جاء من هذه الأشياء على حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه. والتقدير عندهم: مسجد اليوم الجامع، وصلاة الساعة الأولى من زوال الشمس، و (لدار الآخرة): أي: الحياة الآخرة، لأن الإنسان له حياتان، وحب النبات الحصيد، ويا نساء الجماعات المسلمات، ونحو ذلك من التقدير إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يجيزون إضافة الموصوف إلى صفته.
وأما الكوفيون فلا يقدرون فيها شيئًا محذوفًا ويقولون: إنما جازت إضافة الموصوف إلى صفته لاختلاف الألفاظ، لأن العرب قد تحمل الشيء على لفظه لا على معناه كقولهم: كتب لي فلان ثلاث سجلات، فيؤثرون العدد على اللفظ والواحد سجل مذكر.
وقال في موضع آخر من الكتاب: سئل الإمام أبو الوليد بن رشد عن هذا الحديث، فأجاب بأن قال: أكثر الشيوخ يروون الحديث بنصب النساء وخفض المؤمنات على حكم المنادى المضاف ووجه ذلك أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى نساء بأعيانهن، أقبل بندائه عليهن، فصحت الإضافة على معنى المدح لهن والترفيع لأقدارهن كما تقول: يا رجال القوم، ويا فوارس العرب، فيكون المعنى: يا خيّرات المؤمنات، وهو معنى صحيح يصح به الكلام على ظاهره دون تفسير ولا إضمار ويتضمن المدح، وهو زيادة فائدة في الحديث. ورواه بعض الشيوخ برفع النساء على المنادى المفرد ورفع المؤمنات على النعت للنساء على اللفظ ونصبها على الموضع وقال: المعنى يا أيها النساء، وممن ذهب إلى ذلك وقال: إن الإضافة لا تجوز، ابن عبد البر، ومعنى ما ذهب إليه أنه لا يجوز ولا يصح أن يضاف الشيء إلى بعضه، لا يقال: قرأت قرآن الأم، ولا رأيت رجل اليد، وإنما يصح: رأيت يد الرجل، وقرأت أم القرآن.
فكذلك يصح أن يقال: رأيت مؤمنات النساء، ولا يصح أن يقال: رأيت نساء المؤمنات، هذا آخر كلام ابن رشد، وهو قول حسن، والذي عليه جمهور النحويين: