وأما غيرها من الأفعال، فالأعم الأغلب. ولم يقو المضمر على دفع هذا اللبس لقيام الغالب، فأبدلوا المفعول بالنفس فقالوا: ضربت نفسي، وضربت نفسك، وفي ذلك وجهان: أحدهما: إيذان بالعدول عن الأعم الأغلب.
والثاني: أنها نزلت منزلة الأجنبي، لأن فيها زيادة لفظ ليس بالمضمر، ولذلك تخاطب مخاطبة الأجنبي، قال:
أقول للنفس تأساءً وتعزية ... إحدى يديّ أصابتني ولم ترد
وقال ابن مالك في توضيحه: في قول عائشة: (لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا من طعام إلا الأسودان، وقول حذيفة: لقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم: (نتوضأ من إناء واحد). شاهدان على إجراء (رأى) البصرية مجرى (رأى) القلبية، في أن يجمع لها بين ضميري فاعل ومفعول لمسمى واحد. كـ (رأيتنا ورأيتني)، وكان حقه أن لا يجوز: أبصرتُنا وأبصرتُني، لكن حملت رأى البصرية على رأى القلبية لشبهها بها لفظًا ومعنىً.
ومن الشواهد الشعرية على ذلك قول قطري بن الفجاءة:
ولقد أُراني للرماح دريئة ... من عن يميني تارة وأمامي