وليس في اللفظ ما يصلح أن ينصب (ذكاةَ أمه) إلاّ المقدر الذي هو (ذكاةُ الجنين)، فإن علقت ذكاة أمه بنفس ذكاة الجنين، كان (ذكاة أمه) في صلتها أو من تمامها، وإذا كانت من تمامها بقي المبتدأ الذي هو (ذكاة الجنين) مبتدأ لا خبر له، لأنه يصير تقديره: ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه، فيحتاج إلى خبر، ولو زدت خبرًا لوجب أن يقال: ذكاة الجنين ذكاة أمه واجبه، فتحذف الخبر لطول الكلام، ودلالته عليه، فيصير كقولك: ضربك زيدًا ضرب عمرو جعفرًا، أي ضربك زيدًا مثل ضرب عمرو جعفرًا كائن أو واقع، فتحذف المصدر، وتقيم صفته - وهي مثل مقامه، فيصير تقديره: ضربك زيدًا ضرب عمرو جعفرًا كائن، ثم تحذف الخبر لطول الكلام ودلالته عليه فيصير: ضربك زيدا ضرب عمرو جعفرًا، فكذلك تقدير الخبر: ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه واجبة، ثم يصير: ذكاة الجنين ذكاة أمه، فهذا - اي إنْ ذهب إليه ذاهب - كان فيه بعض الضعف والصنعة لكثرة الحذف، ألا ترى أنه يُحذف مضاف بعد موصوف، ويُحذف معهما أيضًا الخبر، وليس كذلك قوله سبحانه:(فشاربون شربَ الهيم)[الواقعة: ٥٥]، لأنه - وإن كان معناه: فشاربون شربًا مثل شرب الهيم - فإنه إنما حذف الاسمين - لعمري - إلا أنه لم يحذف معهما خبر المبتدأ، وكلما كثر الحذف كان أقبح.
فإن قلت: فإنّ حذف الخبر قد كثر في القرآن والشعر، فهلاّ حملت هذا الموضع على ذلك أيضًا؟ قيل: إذا انضم إلى حذف الخبر حذف شيئين مقدرًا أحدهما بعد صاحبه، لم يكن كأن يحذف الخبر وحده، وعلى أنه إن ارتكب أحد هذا - آل هذا بمعناه إلى ما قدمناه من وجوب ذكاة الجنين كذكاة أمه، ألا ترى أن التقدير قد أصاره إلى أنه بمعنى: ذكاة الجنين كذكاة أمه واجبة أو لازمة، ولا بد إذا نصبت ذكاة أمه بنفس ذكاة الجنين من هذا التقدير، وإذا لم يكن منه بدّ علمت به صحة قول أبي حنيفة في وجوب ذكاة الجنين للتحليل لوجوب ذكاة أمه، فهذا إن كان الناصب لذكاة أمه ما