فإن أراد بذلك أنه نفسه مصدر، وأنه منصوب على أنه مفعول مطلق فلا يخفى ما فيه، فإنه لا يكون مصدرًا للتسبيح كما هو واضح، بل يكون مصدرًا لفعل من الزنة، ويكون التقدير: سبحان الله أزِنُهُ زنةَ عرشه، ولا يخفى فساد هذا التقدير، لأنه ليس المراد إنشاء وزن التسبيح، بل المراد إنشاء قول التسبيح، والمعنى: أقول سبحان الله قولاً كثيرًا مقدار زنة عرشه في الكثرة والعظم. وعلى تقدير فعل الزنة يكون المعنى: أزن التسبيح زنة عرشه، وهو ظاهر الفساد.
ثم إذا قدّر في الأخرى: أعدّه عدد خلقه، كما أفصح به المظهري، أدّى إلى أن المعنى: أنشأ عدّ التسبيح، وليس مرادًا، بل المراد: قوله قولاً عدد خلقه. ثم لا يمكنه ذلك في رضى نفسه، فإن قيل: أُرْضيه رضى نفسه، قلنا حينئذ يعود الضمير على غير التسبيح، وهو في أزنه وأعدّه عائد على التسبيح، فيختل التناسق في الكلمات، ثم لا يمكن ذلك في (مداد كلماته) بلا مرية.
ويبقى على كلام المظهري تعقّبان: أحدهما: أنّ عددًا لو كان مصدرًا لم يجئ بالفك لأنه مصدر عدّ بالتشديد كردّ وسدّ قال تعالى: (إنّما نعدُّ لهم عدًّا)[مريم: ٨٤].
والثاني: أنه قال منصوب على المصدر، ثم قال: أي أعدّ تسبيحه بعدد خلقه، فأدخل الباء، وليس هذا شأن المصدر الذي هو مفعول مطلق. لا يقال: ضربت زيدًا بضرب في موضع ضربته ضربًا. ثم قال: وبمقدار ما يرضاه، وبثقل عرشه ومقداره بمقدار كلماته، وهذا كله يبطل القول بأنه منصوب على المصدر، ويؤول إلى نزع الخافض أو الظرفية، فإن النصب على الظرفية ونزع الخافض متقاربان، فإن الظرف منصوب على إسقاط الخافض الذي هو (في)، غير أنه باب مطرد، والنصب بنزع الخافض في غير الظرف غير مطرد، فاتجه بذلك أنه منصوب على الظرف بتقدير (قدر) وقد صرّح بذلك الخطابي في "معالم السنن" فقال: وقوله: (ومدادَ كلماتِه) أي قدر ما يوازنها في العدد والكثرة.