حرف تقريب، وليس فيها معنى التشبيه إذ المعنى على تقريب زوال الدنيا، وتقريب وجود الآخرة، وجعلوا من ذلك كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت، وهذا يستعمله الناس في محاوراتهم، ويقصدونه كثيرًا ويقولون كأنك بفلان قد جاء، والثاني للبصريين: زعموا أنها حرف تشبيه مثلها في: كأن زيدًا أسد، ولم يثبت مجيئها للتقريب أصلاً، والمعنى كأنّ حالتك في الدنيا حالة لم تكن فيها، وكأنّ حالتك في الدنيا حال من لم يزل بها، فالمشبّه والمشبه به الحالتان لا الشخص، والفعل الذي هو الجنس، وإيضاح هذا أنّ الدنيا لما كانت إلى اضمحلال وزوال، وكان وجود الشخص بها كلا وجود، وأن الآخرة لما كانت إلى بقاء ودوام، كان الشخص كأنه لم يزل فيها، ولا شكّ أن المعنى المشهور لكأنّ هو التشبيه، فمهما أمكن الحمل عليه لا ينبغي العدول عنه، وقد أمكن على وجه ظاهر فابتغى المصير إليه.
وأما توجيه الإعراب، وهو الذي يسأل عنه، فاضطربت أقوال النحويين اضطرابًا كثيرًا، والذي يحضرني الآن من ذلك أقوال: أحدها للإمام أبي علي الفارسي، زعم أن الأصل كأنّ الدنيا لم تكن، والآخرة لم تزل، ثم جيء بالكاف حرفًا لمجرد الخطاب لا موضع لها من الإعراب، كما أنها مع اسم الإشارة كذلك، وكذلك هي في قول: أبصرك زيدًا، أي: أبصر زيدًا فالكاف حرف لا مفعول، لأن أبصر إنما يتعدى إلى واحد، وجيء بالياء زائدة في اسم كأن، كما زيدت في أصل المبتدأ، وهذا القول اشتمل أمرين مخالفين للظاهر، وهما: إخراج الكاف عن الاسمية إلى الحرفية، وإخراج الباء عن التعدية إلى الزيادة.
والقول الثاني لأبي الحسن بن عصفور، وهو قول قبسه من قول الفارسي زعم أن الكاف حرف خطاب، اتصلت بكأن فأبطلت إعمالها وأزالت اختصاصها، ولهذا أدخلت على الجملة الفعلية، والباء في بالدنيا وبالآخرة زائدة، كما زيدت في المبتدأ الذي لم يدخل عليه كأنّ، وقد مثلنا، والذي حمله على زعمه زوال إعمالها وأنه لم تثبت زيادة الباء في اسم كأنّ، ويثبت زيادتها في المبتدأ، وقد اشتمل قوله على أربعة