وقال المازري في "شرح مسلم": فيه إغراء بالغائب. ومن أصول النحاة أن لا يغرى بغائب، وقد جاء شاذًّا قول بعضهم كعليه رجلاً ليسني، على جهة الإغراء.
وقال القاضي عياض بعد أن حكاه: هذا الكلام سبقه إليه غيره، ولكن على قائليه فيه أغاليط، أحدها: قولهم: وهو لفظ أبي محمد بن قتيبة وأبي القاسم الزّجّاجي، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب، أو لا يغرى غائب، فأما الإغراء بالشاهد والغائب فجائز، وهكذا نصّ أبو عبيدة في هذا الحديث، وكذلك كلام سيبويه وما بعده ممن إليه هذا الشأن.
قالوا: وإنما يؤمر بمثل هذا الحاضر والمخاطب، ولا يجوز: دونه زيدًا ولا: عليه زيدًا، وأنت تريد غير المخاطب، لأنه ليس بفعل، ولا تصرّف تصرّفه، وإنما جاز للحاضر لما فيه من معنى الفعل ودلالة الحال، فأما الغائب فلا يوجد ذلك فيه لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد. وثانيها: عدّ قولهم: عليه رجلاً ليسنى. من إغراء الغائب، وقد جعله سيبويه والسّيرافي منه، ورأوه شاذًا.
قال القاضي: والذي عندي أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يرد هذا القائل تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بإلزام غيره. وإنما أراد الإخبار عن نفسه بقلة مبالاته بالغائب، وأنه غير متأت (له منه) ما يريد، فجاء بهذه الصورة تدل على ذلك. ونحوه قولهم: إليك عني. أي: اجعل شغلك بنفسك عني. ولم يرد أن يغريه به، وإنما مراده، دعني وكن كمن شغل عني.
وثالثها: عدّهم هذه اللفظة في الحديث من إغراء الغائب، والصواب أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة، والكلام كله والخطاب للحضور الذين خاطبهم صلى الله عليه وسلم بقوله:(من استطاع منكم الباءة ...) فالهاء هنا ليست للغائب، وإنما هي لمن خصّ من