وتقدير الاستثناء: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به فيكون له حال من الأحوال إلا أن كان من أصحاب النار.
قال الطيبي: والوجه أن يقال: إن (ثم) هذه للاستبعاد، كما في قوله تعالى:(ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها)[السجدة: ٢٢] يعني: ليس أحد أظلم ممن بينت له آيات الله الظاهرة والباطنة، ودلائله الباهرة، فعرفها ثم أنكرها. أي: بعيد ذلك عن العاقل، كما تقول: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها. فالمعنى: ما أبعد الذي له عقل أن يسمع بي يهودي ونصراني، بعد انتظارهما بعثتي، واستفتاحهما الكفرة بنصرتي، ثم لما بعثت لم يؤمن بي.
فعلى هذا التقدير يختص الحديث بأهل الكتاب، ولا يحتاج إلى التكلف في نسبته إلى غيرهم، كما عليه كلام الشارحين.
فإن قلت: في الحديث (السماع) و (الإيمان) كلاهما منفيان، فيلزم على هذا من لم يسمع ولم يؤمن يكون من أصحاب النار، وهو على خلاف قوله تعالى:(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)[الإسراء: ١٥].
فكان من حق الظاهر أن يقول: يسمع ولا يؤمن.
قلنا: لما تقرر أن (ثم) للاستبعاد رجع حاصل الاستثناء إلى قولنا: لا يحصل هذا الاستبعاد المذكور في حق يهودي أو نصراني، فيكون له حال من الأحوال إلا إذا كان من أصحاب النار، فالمنفي السماع الذي لم يترتب عليه الإيمان، لأنه المستبعد، وفهم منه أن السماع الذي يترتب عليه الإيمان يكون حكمه بالعكس، ونظيره قوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول