وقال الكرماني: لا يقتضي الجمع، إذ لا يريد بتشبيه (ثم) بالواو المشابهة من جميع الوجوه، بل هو في جواز النصب بعده فقط. سلمنا، لكن لا يضر، إذ كون الجمع منهيًّا يعلم من هنا، وكون الإفراد منهيًّا يعلم من دليل آخر بقوله تعالى:(ولا تلبسوا الحق بالباطل (وتكتموا) الحق) [البقرة: ٤٢]، على تقدير النصب.
وقال ابن مالك: هذا التعليل الذي علل به النووي امتناع النصب ضعيف، لأنه ليس فيه أكثر من كون هذا الحديث لا يتناول النهي عن البول في الماء الراكد بمفرده، وليس يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة بلفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع من هذا الحديث ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر.
وقال القرطبي في شرح مسلم: الرواية الصحيحة: (يغتسلُ) برفع اللام، ولا يجوز نصبها، إذ لا ينصب بإضمار (أنْ) بعد (ثم)، وبعضُ الناس قيده:"ثم يغتسلْ" مجزومة اللام على العطف على: "لا يبولنّ"، وهذا ليس بشيء، إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتسلنّ، لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة، وحينئذ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما، وتأكيدهما بالنون الشديدة، فإن المحل الذي تواردت عليه شيء واحد، وهو الماء؛ فعدوله عن (ثم لا يغتسلن) إلى (ثم يغتسل) دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء:(ثم يغتسل) على التنبيه على مثال الحال. ومعناه إذًا: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله لما أوقع فيه من البول، وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضربْ أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعُها"،